تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
129545 مشاهدة
تنزيه الله عن الولد من التعظيم

...............................................................................


كذلك أيضا إذا عرف بأن ربه تعالى منزه نزه نفسه بقوله: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ لم يلد أي: ليس له ولد؛ ردا على النصارى الذين قالوا: المسيح ابن الله، واليهود الذين قالوا: عزير ابن الله، وردا على المشركين من العرب الذين جعلوا لله تعالى ولدا، وجعلوا ولده إناثا.
أنكر الله تعالى عليهم بقوله: وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا وبقوله تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ أنا أول من تعبد لله تعالى، ومعنى ذلك أنه ينكر أن يكون لله ولد. لو كان له ولد لعرفه وهو أول العابدين لله تعالى، ويقول تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ إذا كانوا يصطفون لأنفسهم البنين، ويجعلون لله ما يكرهون من البنات فقد تنقصوا ربهم تعالى، فهذا تنزيه الله تعالى عن أن يكون له ولد.
وقد كثر في القرآن الرد على أولئك الذين يجعلون لله ولدا مثل قول الله تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا أي: شيئا منكرا فظيعا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ أي: تتفطر من هذه المقالة ومن هذا الاعتقاد؛ اعتقاد أن لله تعالى ولد تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أي: من بشاعة وشناعة هذا القول أنها تكاد تتفطر الأرض، وتكاد الجبال تخر تتهدد من عظم هذه المقالة وهي أن دعوا لله ولدا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا أن دعوا الرحمن ولد وما ينبغي. أي: لا يجوز أن يتخذ ولد، وذلك لأن الولد يشبه أباه؛ لأنه يتولد منه فيقوم مقامه، ويشبهه ويكون شريكا له يستحق مثل ما يستحق.
الله تعالى غني عن ذلك إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا أي: يوم القيامة يأتونه وهم عبيد لله أذلاء خاضعون، وهذا دليل على نكارة هذا القول، ثم كذلك قوله: ولم يولد، وذلك لأنه لو كان مولودا ـ تعالى الله ـ لكان مسبوقا بعدم، ولكان مولودا ممن هو مثله والله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فهو سبحانه الأول فليس قبله شيء، والآخر فليس بعده شيء، والقصد من ذلك كله الرد على بعض المشركين، وكذلك أيضا الدهريين ونحوهم.