إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
129543 مشاهدة
تفكر السلف والأئمة رحمهم الله

...............................................................................


كثير من السلف يحثون على ذلك في ذلك قولهم: تفكر ساعة خير من إحياء ليلة كما مر بنا، أو تفكر ساعة أو تفكر ليلة خير من قيام ستين ليلة أو ستين عاما، ولعلهم يريدون أن هذا التفكر الذي هو تعقل فيما خلق له الإنسان يكسبه عبادة قلبية، ولذلك يشاهد أن كثيرا منهم ينشغل بالتفكر فيكون سكوته تفكرا، وهذا هو الذي ينبغي أن يكون عليه كل مسلم؛ إذا كان صامتا فيجعل صمته تفكرا، ولكن الكثير يكون تفكره وحديث نفسه في أمور دنية في شهواته وفي دنياه وفي ملذاته، وفي حوادثه وما جرى له، وما عرض له فيمضي عليه وقت طويل وهو صامت، وإذا نظر لم يزدد من هذا الصمت شيئا ينفعه، بل يقطع سكوته بهذه الأحاديث التي هي وساوس نفس، وحديث يمضي أو يمر على قلبه، وأما السكوت التي ينفع التفكر فيه فهو التفكر في عواقب الأمور، فإنه التفكر الذي يفيد من تفكر، فيُنقل عن السلف كما مر بنا عن سفيان الثوري و مالك بن دينار وغيرهم من الأئمة أنهم يمضون ليلة وهم يتفكرون في أي شيء؟ منهم من يتفكر في النار ويتذكر ما فيها.
إذا أعطي ماء ليتوضأ به وجده شديد البرد تذكر زمهرير جهنم، وأخذ يفكر في شدة بردها وفي شدة ألمها، فيطول تفكيره يقضي ليله وهو في هذا التأمل والتفكر حتى وجدوا يده كما مر بنا مبسوطة في ذلك الماء الشديد البرد حتى فاته قيام تلك الليلة، وقد كان يقوم واعتبر أن جلوسه وتفكره عبادة، وأنه أفضل من صلاته لو صلى وهو غافل. لو صلى وهو ساه غافل لم يزدد بصلاته درجات، فإذا جلس يتفكر في الدار الآخرة وفي النار وما بعدها وألمها فإن قلبه يتعظ وأنه يعتبر ويعمل الأعمال الصالحة التي تنجيه من ذلك العذاب .