إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
129581 مشاهدة
من صفات الله تعالى القرب

...............................................................................


من صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه والتي يؤمن بها عباده صفة القرب أنه سبحانه قريب من عباده. دليل ذلك قول الله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ روى بعض الأئمة أن رجالاً قالوا: يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ أنزل الله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ .
والفرق بين النداء والمناجاة: المناجاة لا تكون إلا بكلام خفي يكون سرًّا بين اثنين كما قال تعالى: وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا أي: ناجاه ربه كلامًا أسمعه إياه من قرب، وهكذا يعبر بالنجوى عن الكلام الخفي الذي بين اثنين، وأما النداء فيكون للبعيد إذا قلت: ناديته فالمعنى رفعت له الصوت حتى سمعك وأتى، فهذا هكذا قالوا: هل ربنا قريب أم بعيد؟ إذا كان قريبًا فإننا نطلبه، ونسأله بكلام خفي بيننا وبينه؛ لا نجهر بالقول فإنه يعلم الجهر وما يخفى، وإذا كان بعيدًا رفعنا الأصوات فقال الله: فَإِنِّي قَرِيبٌ ذكر أيضًا بعض العلماء في تفسير قول الله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ فقالوا: إن الله تعالى قال: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ ولم يقل: قريبة مع أن الضمير يعود إلى الرحمة لتضمن قرب الراحم تعالى. أي: إن الله تعالى قريب برحمته قريب ورحمته قريب من المحسنين، فإذا سأل الله العبد رحمته تذكر أنه قريب وأن رحمته قريبة فرغب بعد ذلك في سؤال الله أن يرحمه، وأن يغفر له.
لا شك أن من آمن بأن الله تعالى قريب مجيب أنه يحمله ذلك على أن يراقب الله، يعلم أنه بمرأى ومسمع من الله ويعلم أنه قريب. قريب يرحم عباده أو قريب يعلم أحوالهم، قريب يثيبهم ويعطيهم ما يحتاجون إليه، قريب يعذب من عصاه فلا يعتقد العبد أنه بعيد عن ربه فيبارزه بالمعصية، ويعتقد أنه لا يعلم شيئًا من أمره وأنه ليس بقريب منه.
ذكر المفسرون عند قول الله تعالى: وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ فذكر ابن كثير أن ثلاثة من الكفار قليل فقه قلوبهم، كثير شحم بطونهم جلسوا في المسجد الحرام فقال أحدهم: هل تعلمون أن الله يرانا أو يعلم أحوالنا يسمعنا؟ فقال الثاني: يسمعنا إذا جهرنا ولا يسمعنا إذا أسررنا فقال الثالث منكِرًا للسمع: إن كان يسمعنا إذا جهرنا فإنه يسمعنا إذا أسررنا أنزل الله تعالى هذه الآية: وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ المؤمن لا يظن هذا الظن وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ أي: أهلككم فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ فهكذا توعد الله من كان بهذه الحالة وهو الذي يظن أن الله تعالى لا يراه، وأنه لا يطلع على سره ونجواه. أما المؤمن التقي فإنه يستحضر أن ربه سبحانه يراه حيثما كان ويسمع سره ونجواه، ويعلم أحواله، ولا يخفى عليه منه خافية.