إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
تفاسير سور من القرآن
65718 مشاهدة
إقامة الحدود أمان للمجتمع

...............................................................................


ولذا جعل حد السرقة لمن أخذ المال في قوله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فقطع، وأوجب قطع يد السارق؛ محافظة على أموال المجتمع. والكفار الفجرة يرون أن قطع يد السارق -أنه عمل وحشي لا ينبغي أن يكون في النظم الإنسانية لجهلهم، وطمس بصائرهم، وعدم علمهم بالحكم السماوية التي يشرعها خالق السماوات والأرض.
لأن الله جل وعلا خلق هذه اليد، وفرق أصابعها، وشد رءوسها بالأظافر، وجعلها مستعدة غاية الاستعداد للمعاونة الكريمة في بناء المجتمع في دنياه وآخرته، فمدت أناملها الخبيثة الخسيسة الخائنة، لتأخذ المال على أخس وجه وأرذله وأردئه؛ فصارت كأنها عضو نجس قذر يريد أن يقذر جميع البدن؛ فأمر الله بإزالته إزالة تطهيرية؛ لئلا يضيع جميع البدن.
ومعلوم أن العضو إذا فسد وخيف منه أن يفسد جميع البدن أن إزالته ليصح جميع البدن -أنه عمل تطهيري معقول عند كل الناس.
ولذا ثبت في الصحيح من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه ما يدل على أنه من قطعت يده طهر من تلك الرذيلة وصار طاهرا، وبقي جسمه الآخر نزها طاهرا؛ لأن العضو الفاسد الذي كان يقذر جميع الجسم أزيل بالعملية التطهيرية.
ومن غرائب القرآن أنه إذ لم تقطع يد السارق، فاليد الواحدة السارقة الفاجرة قد تفقر آلاف الأيدي، فقد يكون السارق الواحد إذا لم يخف من الردع بقطع اليد يفقر آلاف الأيدي؛ فيسرق قوت آلاف الناس، ويتركهم عالة يتكففون الناس، وربما ماتوا من الجوع.
فاليد الواحدة قد تفقر آلاف الأيدي وملايين الأيدي؛ ولذا قطعها الشارع لحكمتين؛ ليطهر صاحبها من هذه الرذيلة الدنيئة الخبيثة، وكذلك ليردع الناس عن أموال الناس؛ لأن المال هو شريان الحياة، وبه قوام شئون الدنيا في دينها وآخرتها، لا يصلح دونه شيء؛ لأنه هو الذي يصلح به كل شيء من مرافق الدنيا والآخرة. فهو أساس الدنيا، أساس هذه الدنيا، وعمل الآخرة كله على المال، وإذا كانت هذه اليد ضارية قد تفقر آلاف الأيدي.
فأمر الشارع بقطعها لأنها عضو نجس قذر يريد أن يلطخ جميع الجسد كعملية تطهيرية، وليرتدع أمثاله من الفجرة عن أموال الناس. وهذا تشريع سماوي حكمته معروفة، يتوب الله على السارق ويطهره، ويزيل عنه الخبث الذي ارتكبه، والنجاسة التي تلطخ بها.
ويحفظ أموال المجتمع؛ لأن المال شريان الحياة، إذا سرق قوت الرجل جعل جميع ما عنده في صندوق، فجاءه سارق فسرقه يصبح ذلك المسكين وأولاده الصغار، وزوجته في جوع. إما أن يذهب أن يتكفف الناس، وقد يفضل الشريف الموت على تكفف الناس. فهذا قد تفعله اليد الواحدة لآلاف الأيدي، وقد يفقر عشرات الناس ويضر بهم؛ فقطع هذا العضو النجس الخائن الخبيث؛ ليطهر به بقية البدن وينكف الناس، ويرتدع الفجرة تشريع سماوي معقول.
ومن المشاهد أن هذه البلاد نرجو الله أن يعصمها ويحفظ القائمين عليها، ويوفقهم للخير، ويرزقهم بطانة الخير، ويذهب عنهم بطانة السوء-لما كانوا يقطعون يد السارق، ويقيمون حدود الله، كل الإحصائيات العالمية في جميع أقطار الدنيا لا توجد بلاد أقل فيها المنكرات، أقل فيها ارتكاب الجرائم من السرقات، ونحوها من أنواع الفجور -مثل هذه البلاد. وكل ذلك بفضل الله جل وعلا ثم بفضل تحكيم ذلك التشريع السماوي.
فأمريكا مثلا مع حضارتها لا يمكن أن تعد فيها جنايا السرقات، وجرائم الأخلاق، وغيرها مما يزعمون أنهم في حضارة وتمدن، لما أهملوا تشاريع رب السماوات والأرض كثر فيهم الخبث، وكثرت الجنايات، وكثر ارتكاب الجرائم بحد لا يتصور. ومن خرج من هذه البلاد يرى ذلك، ويعلم أنه ليس بآمن على نفسه، ولا على ماله؛ لأنه لم تكن هنالك زواجر وروادع من رب العالمين تعالى تضع العدالة في الأرض، وتنشر الطمأنينة.
ولكن البلاد التي تحكم بما أنزل الله، وتقطع يد السارق، وترجم الزاني المحصن، وتجلد الزاني تراها دائما لأجل ذلك التشريع السماوي تقل فيها الجرائم الأخلاقية.
ومعلوم أن هذه البلاد التي هي وحدها التي بقيت في الدنيا تعلن أنها تحكم بما أنزل الله على ما كان منها-أنها أقل البلاد في الإحصائيات العامة؛ أنها أقلها جرائم وفضائح، وعظائم لأجل التشريع السماوي؛ فتشريع رب العالمين هو التشريع الصحيح الذي يصون الأنفس، ويصون الأموال، ويصون الأعراض، ويصون العقول، ويصون الأنساب، إلى غير ذلك من المقومات الإنسانية.
ومعلوم أنه ليس قصدنا أن نثني على أحد كائنا من كان، كل الناس يعرف ذلك. وإنما قصدنا أن نثني على دين الإسلام، ونبين محاسنه، وأن تشريع رب العالمين لا يدانيه غيره ولا يماثله غيره. وأما من حكم شرع الله كانت العدالة في بلاده أكثر، وكانت الطمأنينة أكثر، وكان الرخاء أكثر.
وهذه البلاد عليها على ما كان منها أن تحمد نعم الله، فهي في رفاهية وطمأنينة على الأنفس والأموال والأعراض، لا تكاد توجد في بلد من بلاد الله. يعلم ذلك كل من سافر، وذهب إلى البلاد الخارجية. وكل ذلك ليس إلا لأجل أنها تقطع يد السارق، وترجم الزاني، وتحكم بحدود الله.
ونرجو الله جل وعلا أن يوفق القائمين على هذه البلاد إلى المزيد من طاعة الله، وأن يرزقهم الإنابة عما يخالف الشرع، وأن ييسر لهم بطانة الخير، وأن يهدينا جميعا لما يرضي الله. ونرجوه جل وعلا ألا يهلكنا بذنوبنا، وألا يجعلنا من المغرورين، وأن يبصرنا بعيوب أنفسنا، ويردنا إلى ما يرضيه عنا.
اللهم لا تدع في مجلسنا هذا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا كربا إلا أزلته، ولا دينا إلا قضيته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لنا فيها صلاح ولك فيها رضا إلا أعنتنا عليها ويسرتها لنا.
اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جنتك مصيرنا ومآلنا. اللهم فالق الإصباح، وجاعل الليل سكنا، والشمس والقمر حسبانا -اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر، وأمتعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقواتنا في سبيلك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وآله.