إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
تفاسير سور من القرآن
65716 مشاهدة
تفسير قوله: وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُون .


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال الله جل وعلا : وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ .
لما بين الله جل وعلا عظمته، وأنه خالق كل شيء المستحق بأن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يعبد وحده -نهى عن الفساد في الأرض بعد إصلاحها، وأمر بأن يدعوه عباده خوفا وطمعا، قال: وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا .
والمراد بالإفساد في الأرض يشمل الشرك؛ الشرك بالله وسائر المعاصي؛ لأن من أعظم الفساد في الأرض الشرك بالله. والشرك بالله ومعاصيه قد يحبس الله بسببها المطر فتموت الحبارى في وكرها، والجعير في جحره بسبب ذنوب بني آدم. وقول الضحاك وغيره: لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ لا تغوروا الأنهار، و.. المياه الجارية وتقطعوا الأشجار المزهرة كل ذلك داخل في هذا.
وربما كان قطع الشجر مصلحة للمسلمين إذا كان فيه حصار للكفار ومضرة عليهم كما يأتي فيما وقع في بني النضير في قوله: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ؛ أي من نخلة أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ .
ومن الفساد في الأرض قطع الدنانير وإفساد السكة، وكل معصية لله وضرر على المسلمين وشرك بالله كل جميع هذا من الفساد في الأرض الذي نهى الله عنه؛ لأن طاعة الله كلها صلاح يستوجب المطيعون بها رحمة الله ونعيمه وعافيته وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ و وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا .
فطاعة الله وتقواه سبب لإدرار الأرزاق والعافية؛ كما قال تعالى عن نبيه نوح يا قوم اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا قال عن نبيه هود أنه قال لقومه : اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إلى قوله : يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ .
وهذا متكرر في القرآن فالمعاصي والشرك كلها إفساد في الأرض، وطاعة الله واتباع أوامره كلها إصلاح في الأرض .
ومعنى وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ؛ أي بالشرك والمعاصي، وجميع أنواع الفساد، بَعْدَ إِصْلَاحِهَا بعد أن أصلحها الله بأن بعث فيها الرسل الكرام وعلموا أوامر الله ونواهيه وما به صلاح الدنيا والآخرة، وإن مبعث الرسل تستقيم به أمور الدنيا ويصلح به جميع الشعوب، مما يصلح الدنيا والآخرة.
فمن جاء لأمور الناس وهي صالحة قائمة على أوامر الله وشرعه الذي جاءت به رسله وغيّر في ذلك وأفسد، وأشرك وعصى؛ فقد أفسد في الأرض بعد إصلاحها، وهذا هو الأظهر في معنى الآية.