شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
تفاسير سور من القرآن
65793 مشاهدة
تفسير قوله: حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ

...............................................................................


بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا من فوائد الريح كما أن الله ينشرها مبشرة بالمطر منتشرة أمامه، كذلك يحمل عليها المطر؛ لأن السحاب هو غير المطر بإجماع أهل اللسان، فالسحاب الوعاء الذي فيه المطر، والمطر هو نفس الماء وهو نفس الودق.
وهذه الآية من سورة الأعراف تبين أن الماء أنه فيه ريحا وأن ذلك الريح ثقيل جدا ثقلا عظيما، وأن الله يحمله مع ثقله على متن الريح، ثم إن الريح تذهب به إلى حيث شاء الله جل وعلا.
فيسيل ذلك المطر من الثقوب والخلال التي في ذلك السحاب الذي هو الوعاء وقد بين الله كيفية هذا في سورة النور في قوله : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا أي يسوق سحابا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا أي متراكما بعضه فوق بعض فَتَرَى الْوَدْقَ وهو نفس المطر الذي هو الماء يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ أي من ثقوب السحاب.
وخلال الشيء ثقوبه وفروجه، فهو يتقاطر من الثقوب والفروج التي جعلها الله في الريح الذي يحمل فيه المطر، وبين أن ذلك الريح ثقيل جدا في قوله : حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ أَقَلَّتْ ؛ أي حملت.
والعرب تقول: أقلته ناقته أي حملته. والمراد أقلت الريح أي حملت الريح سحابا جمع سحابة، وهي ريحه الذي فيه الماء، وهي المسماة ثقالا جمع ثقيلة أي سحابة ثقيلة وسحاب بالجمع ثقال، والله صرح بأنها ثقال؛ أي شديدة الثقل لما هي موقرة به مملوءة به من الماء.
وهذا نص صريح من رب العالمين الذي هو أصدق من يقول أن الله يجعل مع المطر رياحا، وأنه يحمل تلك الأوعية الثقيلة جدا على متن الريح، ثم إنه إذا أراد نزول المطر إلى محل أخرج الماء من الثقوب والفروج والخلل الذي في ذلك الريح الذي فيه الماء، كما قال: فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ .
وهذا الماء ينزله الله جل وعلا من حيث شاء؛ فهو قادر على أن ينزله من نهر تحت العرش، وعلى أن يجعله من بخار البحر ثم يرفعه فيجعله ماء صافيا ويجعله في المزن وهو قادر على كل ذلك. وأكثر السلف على أن الماء ينزل في السحاب من نهر تحت العرش.
وبعض العلماء يقول: لا مانع من أن يرتفع من بخار البحر ماء صاف عذب تتحلل منه الأجرام الملحة، ثم يجعله الله في وعاء المزن، ثم يحمله على الريح، ثم يلقيه حيث شاء، كما قال مسلم الجاهلية زيد بن عمرو بن نفيل
وأسلمت وجهـي لمـن أسـلمـت
له الأرض تحمـل صخـرا ثقـالا
دحاها فلمـا استــوت شـدهــا
جميعا وأرسـى عليهـا الجبـالا
وأسلمت وجـهـي لمـن أسـلمـت
له المـزن تحمــل عــذبا زلالا
إذا هي سـيقت إلــى بـلـــدة
أطاعت فكـبت عليهـا سجــالا
وبهذا تعلمون أن المطر إنما ينزل بأمر الله وقدرته وإرادته، يعلم قدره ويجعله في أوعية السحاب ويحمله على متن الريح، ثم يخرجه من الثقوب والخلال التي في الوعاء الذي هو فيه وهو السحاب كما قال وهو أصدق من يقول: فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ .
والعرب كانوا يزعمون أن بعض المزن يمتلىء من البحر وهو معروف في أشعارهم، ومنه قول أبو ذؤيب الهذلي
سقـى أم عمـرو كل آخـر ليلـة
حنـاتم غــر مــاؤهن زجيـج
شربن بماء البحــر ثم ترفعـت
متى لجــج خضر لهــن نئــيج
يعني لجج البحر.
منه قول طرفة بن العبد
لـا تلـمني إنهـا مــن نسـوة
رقــد الصيـف مقــاليت نـزر
كبنـات البـحر يمــأدن كمــا
أنبــت الصيف عساليج خـــضر
والشاهد أن المطر لا تنزل قطرة منه إلا بمشيئة خالق السماوات والأرض وبتدبيره.
وقد بين لنا كيف ينزله أن الله يسوق سحابا وهو المزن الذي هو وعاء الماء، ثم يجمع بعضه إلى بعض حتى يجعله متراكما بعضه فوق بعض، ثم يخرج الماء من تلك الثقوب والفروج التي هي خلال ذلك السحاب.
وهذا صريح قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ؛ أي ترى ماء المطر يخرج من الخلال جمع خلل، من الثقوب والفروج التي في ذلك السحاب الذي هو وعاء الماء، ذهب به الملك المقتدر ينزل المطر حيث شاء، ويحمل السحابة الموقرة الثقيلة بالماء على متن الريح، ثم يأمرها بأن تصبها في المكان الذي شاء بتصريف من عالم قدير، عالم بقدر المطر الذي ينزله وبقدر الرشاش الذي ينزله .
وقد بين تعالى أن كثيرا من الخلق سيكفرون بهذا؛ كالذين يزعمون أن المطر لم ينزله خالق، وإنما هو أمر طبيعي؛ كما يزعمه الكفرة الإفرنج وأتباع الإفرنج؛ لا يعترفون بأن المطر ينزله حكيم خبير.
بل يذهبون إلى فكرة كافرة ملحدة يقررها كثير ممن لا يفهم ثم يطمسها ويغره عموم الناس أن يقول بمشيئة الله مجاملة، وهو يعتقد الطبيعية كما يعتقدها الكفرة الإفرنج الذين قرروا هذا؛ فهم والعياذ بالله كالأنعام بل هم أضل. لا يعترفون بخالق حكيم مدبر ينزل المطر؛ فيزعمون أن نزول المطر أمر طبيعي، وأن حرارة الشمس إذا تتابعت على البحر حتى بلغت مائة درجة تبخر ماء البحر.
وكذلك احتكاك لهيب الريح يبخره فيتصاعد بخار الماء، وتتحلل منه الأجرام الملحية، ثم يتكاثف البخار بعضه فوق بعض، ثم إذا اجتمع ولاقى هواء بصفة كذا جاءته ريح وفرقته وصار هو الرشاش بطبيعته؛ فطبيعة المطر من غير فاعل مختار. وهذا كفر بالله وإلحاد سافر، ونفي للخالق الذي لا يكون شيء إلا بأمره وقضائه، والله قد بين أن كثيرا من الناس سيئولون إلى هذا الكفر والإلحاد .
لأنه لما ذكر المطر في سورة الفرقان قال: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا أَنْزَلْنَا نسب الإنزال لنفسه بصيغة التعظيم، قال: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ ؛ يعني لقد صرفنا الماء بين بني آدم.
فأكثرنا المطر في عام على بعض الجهات فأخصبت لنختبر أهلها؛ هل يشكروننا على ذلك الإنعام؟ وصرفنا الماء في بعض السنين عن بعض البقاع حتى تمحل وتجدب لنختبر أهلها؛ هل يصبرون؟ وهل ينيبون إلينا ويتضرعون لنكشف عنهم الضراء؟ فهو تصريف حكيم خبير يصرف الماء بحكمته وإرادته، وينزله بمشيئته على هذا الوجه الأعظم الكريم الذي ينزل رشاشا.
والله لما قال : وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا ؛ لأجل أن يتذكر من جاءهم الماء فأخصبوا فيشكروا نعمة الله، ويتذكر من صرف عنهم الماء فأجدبوا لينوبوا إلى الله ويتوبوا إلى الله، ثم قال: فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا بالله جل وعلا. ومن أعظم الكفور الذي أبوا إلا إياه قولهم: إن الماء ينزله بخار كذا وكذا، وطبيعة كذا وكذا؛ فقد صدق الله جل وعلا.
ولا تجد نية ولا إلحاد يتجدد في الزمان إلا وهو مشار إليه في القرآن، كقوله في هذه الآية الكريمة: وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا واتباعه في ذلك بقوله: فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا من غرائب هذا القرآن وعجائبه وتصديقه الآن على أكثر من في المعمورة ينفون أن المطر نازل بحكمة خبير عليم قبحهم الله فينطبق عليهم قوله: فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا .
وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم كلمهم صبيحة ليلة كان فيها مطر، وقال لهم: هل سمعتم ماذا قال ربكم البارحة؟ قالوا: ماذا قال؟ قال: أصبح من عبادي مؤمن بي كافر بالكوكب، وأصبح من عبادي كافر بي مؤمن بالكوكب؛ أما من قال: مطرنا بفضل الله وبرحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا فهو كافر بي مؤمن بالكوكب وأكفر منه بالله من قال: مطرنا ببخار كذا وكذا لا بفعل الله وإرادته.
فعلى المؤمن أن يعتقد أن المطر أنزله حكيم خبير، وأنه ماء ينزله من حيث شاء إما من السماء، أو من حيث شاء الله جل وعلا، ويجعله في أوعية السحاب فتمتلئ حتى تكون ثقيلة جدا كما قال هنا: حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا والثقال جمع ثقيلة، وإنما كانت ثقيلة لكثرة ملئها من الماء.
وصرح بأن الريح تقلها، أنه يحملها على ظهر الريح حتى تمطر في الموضع الذي شاء الله. وصرح بأنه هو الذي يصرف المطر بإرادته ومشيئته، فينزله على قوم فيخصبوا؛ ليختبروا هل يشكروه؟ ويرفعه عن قوم فيجدبوا؛ ليختبروا هل ينيبون إلى الله ويتوبون؟ وهذا من غرائب صنع الله وعجائبه!!
والله جل وعلا أمر خلقه أن ينظروا في هذا وتوابعه؛ حيث قال: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ لام الأمر هنا صيغة أمر تقتضي الوجوب، معناه يجب على كل إنسان أن ينظر إلى طعامه.
يعني يا أيها الإنسان المسكين الضعيف، انظر إلى طعامك، انظر إلى الخبز الذي تأكله، ولا تستغني عنه؛ من هو الذي خلق الماء الذي شربت به أرضه حتى نبت بإذن الله؟! أيقدر أحد غير الله أن يخلق الماء، ويبرز جرمه إلى الوجود من العدم؟
هب أن الماء خلق وصار موجودا؛ من هو الذي يقدر على إنزاله بهذه الطريق الحكيمة، وإخراجه من خلال السحاب رشاشا لا يضر بأحد؟!! فلو أرسل الله المطر كله قطعة واحدة مجتمعة لأغرقت الدنيا ودمرت البلاد والعباد؛ فهو ينزله رشاشا من خلال السحاب لئلا يضر بالناس، وينزله بقدر معلوم بحيث تقوم به الحاجة، ولا يجعله طوفانا يغمر الأرض لئلا يهلك من عليها كما وقع لقوم نوح.
هب أن الله أنزل الماء بهذه الطريقة العظيمة الحكيمة؛ هل يقدر أحد غير الله أن يشق الأرض عن مسمار النبات الذي يكون منه الحب الذي تأكلون؟!! هل يمكن أحد على الله أن يشق الأرض ويخرج منها مسمار النبات؟ الجواب لا. هب أن مسمار النبات خرج؛ من هو الذي يقدر على أن يربيه وينميه ؟ هب أنه نما وكبر؛ من الذي يقدر أن يشقه ويخرج منه السنبلة؟ هب أن السنبلة خرجت؛ من هو الذي يقدر أن يربيها وينقلها من طور إلى طور حتى تكون حبة؟