تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
تفاسير سور من القرآن
65761 مشاهدة
تفسير قوله تعالى: قَالَ يَا قَوْم لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ

...............................................................................


فقابلهم هود بهذا الرد الكريم اللطيف، والتأني الكريم والتؤدة العظيمة، و قَالَ يَا قَوْم لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ ليس بي شيء من طيش العقل ولا خفته، وإنما أنا راجح العقل ثابته، ثابت الحلم لست بطائش ولا خفيف وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ رَسُولٌ مرسل إليكم مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
قد بينا فيما مضى أن الرسول فعول بمعنى مفعل، أي مرسل مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أرسلني إليكم. وأن أصل الرسول مصدر سمي به، وإتيان المصدر على وزن فعول قليل جدا في العربية مسموع في أوزان قليلة؛ كالقبول والولوع والرسول. وأصل الرسول مصدر بمعنى الرسالة، وهو مشهور في كلام العرب. ومنه قول الشاعر:
لقد كذب الواشون ما فهت عندهـم
بقول ولا أرسلتهــم برســـول
يعني ما أرسلتهم برسالة.
وقول الآخر:
ألا أبلغ بـني عمــرو رســولا
بأني عــن فتوحـاتكم غــنـي
أي بني عمرو رسولا؛ أي رسالة، وهذا معروف في كلام العرب.
ومن فوائد كون الرسول أصله مصدر تحل إشكالات في القرآن؛ لأن العرب إذا نعتت بالمصدر ألزمته الإفراد والتذكير، وربما تناست المصدرية فيه، وعملت بالوصفية العارضة فجمعته وثنته؛ ولذا جاء الرسول مفردا في القرآن والمراد به اثنان، وجاء مفردا في كلام العرب والمراد به جمع نظرا إلى أن أصله مصدر.
فإذا قال لك قائل: الله يقول: ... فنقلته من المصدرية فجعلته وصفا؛ ولأجل كون أصله مصدرا تطلقه العرب مفردا، وتريد به الجمع على عادة النعت بالمصادر، ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي
أبكي إليهـا وخــير الرســول
أعلمهـم بنـواحـــي الخـــبر
وقوله: أعلمهم رد الجمع على الرسول مفردا؛ نظرا إلى أن أصله مصدر، وهذا معنى قوله: وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ .