إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
تفاسير سور من القرآن
65723 مشاهدة
تفسير قوله تعالى: إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا

...............................................................................


إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قوله: إِلَّا تَنْفِرُوا هي إن الشرطية أدغمت في لا؛ يعني إِلَّا تَنْفِرُوا ؛ إن لم تمتثلوا أمر الله وتنفروا لجهاد أعداء الله وإعلاء كلمته؛ فإن ذلك ضرره عليكم لا على الله ولا على رسوله.
وهذه الآية فيها سر عظيم، يعلم به الإنسان أن كل ما يفعله إنما أثره راجع إلى نفسه، فإن كان شرا فهو يجني شرا على نفسه، وإن كان خيرا فهو يجلب الخير لنفسه إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا .
فعلى كل عاقل في دار الدنيا أن يعتبر بمعنى هذه الآية وما في معناها من الآيات، وهو أن ما يفعله الإنسان لا يجنيه إلا هو، وأن حركات الإنسان في دار الدنيا يبني بها مسكنه الذي يصير إليه، ويخلد فيه خلودا أبديا يوم القيامة.
فهذه الحركات والسكنات في دار الدنيا يظن الجاهل أنها أمور لا طائل تحتها، ولا يلزم الاحتياط والنظر الدقيق فيها، وهذا من أشنع الغلط؛ لأن حركات الإنسان في دار الدنيا مقبلا ومدبرا، ذاهبا وجائيا، متصرفا هنا وهناك، كله يبني منزله ومقره النهائي، إما أن يبني بذلك غرفة من غرف الجنة يخلد فيها، أو يبني به سجنا من سجون جهنم؛ هذا هو الواقع .
فعلى كل مسلم أن ينظر في أقواله وأفعاله؛ فيعلم أنه ينفع بالطيب منها نفسه، ويضر بالخبيث منها نفسه؛ ليحاسب فيجتنب الخبيث ويجتذب الطيب، وهذا معنى قوله: إِلَّا تَنْفِرُوا إلا تمتثلوا أمر الله ورسوله بالنفر إلى الأعداء لجهاد أعداء الله، وإعلاء كلمة الله، ونصر دين الله - يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا أنتم الذين تنالون الضر من ذلك يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا .
الظاهر أن هذا العذاب شامل لعذاب الدنيا وعذاب الآخرة؛ لأن التكاسل عن مقاومة الأعداء في دار الدنيا من أسباب عذاب الدنيا؛ لأنه يضعف المسلمين ويقوي أعداءهم؛ فيهينوهم في قعر بيوتهم كما هو واقع الآن؛ لأن المسلمين-أو من يتسمون باسم المسلمين- معذبون في أقطار الدنيا من جهة الكفرة يضطهدونهم ويظلمونهم ويقتلونهم، ويتحكمون في خيرات بلادهم، وهذا كله من أنواع عذاب الدنيا؛ لتعطيلهم الجهاد وإعلاء كلمة الله جل وعلا.
وما ذكره غير واحد عن ابن عباس من أنه قال: إن هذه الآية نزلت في بعض قبائل العرب استنفرهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغزو فامتنعوا، فمنع الله عنهم المطر وأضرهم بالقحط. هذا قد يدخل في الآية في الجملة، ولا يمكن أن يكون معناها؛ لأن الله يقول: يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا .
فهذا يدل على أن المراد به ليس حبس المطر، وإن كان حبس المطر من أنواع العذاب التي تسببها مخالفة الله جل وعلا؛ لأن مخالفة الله وعدم القيام بأمره ونهيه هي سبب كل البلايا، كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ .