إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
تفاسير سور من القرآن
65767 مشاهدة
إحاطة علم الله تعالى

...............................................................................


هذا الكتاب فصله خالق السماوات والأرض، حال كون ذلك التفصيل على علم منه جل وعلا، وعلمه محيط بكل شيء، لا يخفى عليه شيء؛ فهو عالم بما كان وما يكون، وما لو كان كيف يكون لأنا بينا مرارا أن العلم الكامل لله جل وعلا وحده. فهو المحيط علمه بكل شيء.
يعلم ما كان وما يكون؛ حتى إنه من إحاطة علمه ليعلم ما سبق في علمه أنه لا يكون أن لو كان كيف يكون، ومن إحاطة علم الله أن جميع الخلائق لا يعلمون إلا ما علمهم الله من علمه؛ فالعلم المحيط لله جل وعلا وحده، ولا يعلم أحد شيئا إلا ما علمه العليم الخبير جل وعلا. ومما يوضح هذا أن أعظم الخلائق الملائكة والرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم؛ فالملائكة لما قال لهم خالقهم جل وعلا: أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ .
ماذا قال الملائكة؟ قالوا: قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ؛ فقوله: لَا عِلْمَ لَنَا هي لا التي تسمى لا النافية للجنس، فهي لنفي جنس العلم، فنفوا جنس العلم عنهم أصلا إلا شيئا علمهم الله إياه.
وهؤلاء الرسل الكرام الذين هم صفوة الله من خلقه، وأعلم الخلق بالله؛ صلوات الله وسلامه عليهم؛ هذا سيدهم وخاتمهم وأفضلهم على الإطلاق نبينا صلى الله عليه وسلم -رميت زوجته أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنها في غزوة المريسيع بأعظم فرية وأكبر شنيعة.
وهو صلى الله عليه وسلم مع ما أعطاه الله من النبوة والعلم العظيم، ما كان يدري أحق ما قيل عنها أم كذب؟ وكان يقول لها: كيف تيكم؟ لا يدري عن حقيقة الأمر، ويقول لها: يا عائشة إن كنت ألممت بذنب فتوبي، وإن كنت بريئة فسيبرئك الله ولم يعلم حقيقة الأمر حتى أعلمه الحكيم الخبير؛ فقال له: أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ .
ولما نزل الوحي ببراءتها وقالت لها أمها: قومي إلى رسول الله فاحمديه، قالت: لا، والله لا أحمده، ولا أحمد اليوم إلا الله؛ فإن الله هو الذي برأني وهو لم يبرئني.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وقد قيل له أن يقول: وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ .
وهذا نبي الله إبراهيم وهو هو، قال الله له: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ذبح عجله وتعب هو وامرأته في إنضاج العجل يظن أن الضيف الذين عنده يأكلون، ولم يعلم أنهم جبريل والملائكة معه.
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً وبين لهم أنه خائف منهم قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ ولم يعلم أنهم ملائكة رسل الله حتى أخبروه. قال لهم: فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ قالوا: إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ .
ولما نزلوا بنبي الله لوط وهو هو!! سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ يظن أنهم فتيان حسان الوجوه حسان الثياب حسان الروائح، وأن قومه يفعلون بهم فاحشة اللواط حتى قال كلامه المحزن: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ .
ولم يعلم أنهم ملائكة حتى قال له جبريل يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ وهؤلاء الذين كانوا يدقون الباب ليكسروه، يريدون أن يفعلوا فاحشة اللواط في جبريل والملائكة معه -لما أذن الله لجبريل فيهم مسح وجوههم بريشة من جناحه؛ فبقيت أعينهم كأنها لم تكن أصلا، كما يأتي في قوله عنهم: وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ .
وهذا نبي الله نوح وهو هو!! صلوات الله وسلامه عليه، ما كان يظن أن ابنه كافر وكان يقول: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ أي وقد قلت لي: احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ .
ولم يدر ما حقيقة ولده حتى أعلمه الحكيم الخبير؛ فقال له: يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ فما كان من نوح إلا أن قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ .
وهذا نبي الله يعقوب الذي قال الله فيه: وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ لم يدر عن ولده يوسف في مصر ما بينه وبينه إلا مراحل قليلة حتى جاءه البشير بخبره.
وهذا سليمان أعطاه الله الريح غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وسخر له الجن والطير -ما كان يدري عن ملكة سبأ ولا عن مأرب ولا عن ما جرى فيها حتى أخبره الهدهد المسكين الضعيف.
وكان سليمان عليه السلام متوعدا للهدهد؛ لأنه خرج بلا إذن وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ فلما علم الهدد بقضية اليمن بعد علم التاريخ وعلم الجغرافيا من ملكة سبأ وقومها، وكان سليمان يجهله.
أعطاه هذا العلم قوة وصمودا أمام سليمان ووقف أمام النبوة والملك وقفة الرجل الصامد، ونسب الإحاطة لنفسه ونفاها عن سليمان وقال: إني أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ وهكذا، إن الله جل وعلا هو المحيط علمه بكل شيء، ولكنه يطلع رسله على ما شاء من غيبه.
وقد أطلع نبينا صلى الله عليه وسلم على أمور من الغيب لا يعلم كثرتها إلا الله، فما توفي صلى الله عليه وسلم حتى لم يكن طائر يحرك جناحه إلا أعطى لأصحابه عنه علما، وبين لأصحابه جميع الفتن، وجميع ما يقع في آخر الزمان مما علمه الله من العلوم، ولكنهم نسوه.
ولكنه لا يعلم من ذلك إلا ما علمه الله كما قال جل وعلا: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ الآية.
أما الله جل وعلا فعلمه محيط بكل شيء يعلم ما كان، ويعلم ما لم يكن وما سيكون كيف يكون، ويعلم ما سبق في علمه أنه لا يكون. يعلم أن لو كان كيف يكون؛ فهو يعلم أن أبا لهب لن يؤمن، ويعلم لو آمن أبو لهب أيكون إيمانه تاما أو ناقصا؟
والآيات الشاهدة بهذا في القرآن كثيرة؛ فإن الكفار يوم القيامة إذا عاينوا العذاب ورأوا حقيقة الآخرة، ندموا وتمنوا أن يردوا إلى الدنيا مرة أخرى ليصدقوا الرسل ويؤمنوا؛ فقالوا: يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبُ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
في قراءة أخرى وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والله يعلم أن هذا الرد الذي تمنوه لا يكون، ومع ذلك فهو عالم أن لو كان كيف يكون؛ ولذا قال: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ .
والمتخلفون عن غزوة تبوك علم الله في سابق أزله أنهم لن يحضروها أبدا؛ لأنه هو الذي ثبطهم عنها لحكمة كما قال: وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ وخروجهم الذي سبق في علمه أنه لا يكون هو عالم أن لو كان كيف يكون كما صرح به في قوله: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وهذا في القرآن كثير كقوله: وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ .
فعلمه تعالى محيط بكل شيء. فإذا كان هذا العلم المحيط بكل شيء علم الله جل وعلا، وهو الذي فصل هذا الكتاب بهذا العلم المحيط؛ علمنا أنه ضمنه كل خير، ضمنه استجلاب كل خير والتحذير من كل شر، ورتب فيه جميع المصالح، ودرأ فيه جميع المفاسد.
ودعا فيه إلى جميع مكارم الأخلاق ومحاسن العادات ورفع الهمم، وكل شيء صالح للدنيا والآخرة في شئون الفرد وشئون المجتمع؛ كما يعرفه من تأمل آيات القرآن وتدبرها، وهذا معنى قوله: وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ .