لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
تفاسير سور من القرآن
65786 مشاهدة
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب

...............................................................................


والدلالة على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب تفهم من نصوص الوحي ومن اللغة العربية. أما نصوص الوحي فقد دلت على ذلك أحاديث صحيحة تدل على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما يدل عليه استقراء القرآن، وتدل عليه اللغة العربية أيضا.
فمن الأحاديث الدالة على ذلك قصة الأنصاري المشهورة التي ذكرها الله في سورة هود، وسيأتي إيضاحها وضابطها: أن أنصاريا كان تمارا فجاءته امرأة تريد أن تبتاع منه تمرا، فأعجب بجمالها، فقال لها إن في البيت تمرا أجود من هذا.
فلما دخلت في البيت تظن أنه يبيعها التمر الأجود كان بينه وبينها ما لا ينبغي أن يكون بين رجل وغير زوجته، إلا أنه لم يقع بينهما ما يستوجب الحد، فكان شيء؛ مثل التقبيل، والضم، ونحوه، ثم بعد ذلك ندم ذلك الأعرابي، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله فيه آية مدنية في سورة مكية.
وهي قوله تعالى في سورة هود: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ ؛ يعني كالصلوات الخمس التي يقيمها في الجماعات يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ؛ أي يغفر الله بهن تلك الذنوب؛ كتقبيل تلك الأجنبية.
ثم إن ذلك الرجل لما نزلت فيه الآية، وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم سأل ذلك الأنصاري، وقال له: يا رسول الله، ألي هذا خاصة؟ وسؤال الأنصاري هذا مقتضاه أيختص حكم هذه الآية بي؟ لأنني هو سبب نزولها أم العبرة بعموم لفظ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بل لأمتي كلهم.
وسؤال الأنصاري هذا وجواب النبي صلى الله عليه وسلم له ثابت في صحيح البخاري في تفسير سورة هود، وهو نص صريح في أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب. ومن النصوص الدالة على ذلك: ما ثبت في الصحيح ثبوتا لا مطعن فيه من أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عليا وفاطمة رضي الله عنهما وأرضاهما وهما نائمان، وأيقظهما ليصليا الليل. فقال له علي رضي الله عنه إن أرواحنا بيد الله إن شاء بعثنا، فولى صلى الله عليه وسلم كالمغضب، يضرب فخذه، ويقول: وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا مع أن آية وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا نزلت على التحقيق في الكفار المشركين الذين يجادلون في القرآن؛ فيقول بعضهم: شعر، ويقول بعضهم: سحر، ويقول بعضهم: كهانة، إلى غير ذلك.
ويدل لأنها في الكفار أول الآية هو قوله: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ ؛ أي المكذب بالقرآن الذي لم يعتبر بأمثاله أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا وخصومة في التكذيب بالقرآن. فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أنها وإن نزلت في الكفار أن عموم لفظها شامل، لقول علي رضي الله عنه: إن أرواحنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا.
ومما يدل على هذا من اللغة العربية أن الرجل مثلا لو كان له أربع زوجات فهانته واحدة منهن وشتمته، وأطلقت لسانها فيه حتى أغضبته، وهي واحدة، والثلاث الأخر ساكتات لا يفعلن إلا ما يرضي زوجهن، فقال الزوج بسبب إغضاب التي أغضبته: أنتن كلكن طوالق؛ فإن الطلاق لا يختص بذات السبب التي أغضبته وآذته؛ بل يطلق الجميع نظرا إلى عموم اللفظ، ويلغى سبب اللفظ الذي حمل عليه، كما هو معلوم عند أهل اللسان العربي.