تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
تفاسير سور من القرآن
65703 مشاهدة
تفكر الإنسان في مآله في الآخرة

...............................................................................


وتلك المحطة هي التي نحن فيها الآن؛ فقد جاوزنا ما قبلها من المحطات، وهي التي نحن فيها الآن. وهذه المحطة التي نحن فيها هي المحطة الذي يؤخذ منها الزاد والسفر أمامها طويل والشقة هائلة؛ فكأن الإنسان يقال له: يا مسكين، أنت في رحلة عظيمة، وآخرها أعظم من أولها؛ أشد مسافة وأكبر خطرا وأعظم غررا؛ فخذ أهبتك في وقت الإمكان، وليس موضع يمكنك فيه أخذها إلا في هذا الزمن الذي لا تدري في أي وقت يقطعك الموت فيه ويخترمك.
فعلى الإنسان أن يبادر بأعظم ما يكون من السرعة؛ ليأخذ زاده، ويستعد عدته لبقية هذا السفر العظيم الهائل الشاق. ثم بعد هذه المرحلة ننتقل جميعا إلى مرحلة تسمى مرحلة القبور، فنصير جميعا إلى القبور كما صار إليها من قبلنا.
وذكروا أن أعرابيا بدويا سمع قارئا يقرأ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ قال: انصرفوا والله من المقابر إلى دار أخرى؛ لأن الزائر منصرف لا محالة. ثم إنهم يوم القيامة يُخرجون من القبور إلى محطة أخرى، وهي محطة عرصات الحشر.
يجتمعون فيها جميعا في صعيد واحد ينفذهم البصر، ويسمعهم الداعي، ثم يقضي الله بين خلقه بالشفاعة الكبرى؛ شفاعة سيد الأنبياء محمد صلوات الله وسلامه عليه. فإذا انقضى حسابهم وتمت مجازاتهم، عند ذلك صدروا أشتاتا يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا فمذهوب به ذات اليمين إلى الجنة، ومذهوب به ذات الشمال إلى النار.
ولا يجتمعون بعد ذلك، وهذا هو قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا وهذه الأشتات قد أوضح الله معناها في سورة الروم في قوله تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُون وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ .
فإذا دخلوا أماكنهم، دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، وفي ذلك الوقت يدعى بالموت في صورة كبش أملح بمرأى كل منهم، ثم يذبح ويقال: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت؛ وذلك هو معنى قوله: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ ذبح الموت، واستقر كل في منزله استقرارا أبديا .
هذا الاستقرار الذي لا تحول بعده، من أجله قيل للدار: الآخرة؛ لأنها ليس بعدها محطة أخرى ينتقل إليها؛ فهي آخر المحطات التي ينتقل إليها.
لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا في الجنة، ولا خروج لهم من النار، وهذا هو معنى قوله تعالى: أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ ؛ أي في جنبها وبالنسبة والإضافة إليها إلا قليل جدا.
قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضرب لذلك مثلا بمن وضع أصبعه في البحر فلينظر بماذا يخرج به أصبعه من البحر؟ وذلك بمثابة قلة الدنيا في جنب الآخرة، وهذا معنى قوله: أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ؛ لأن الدنيا دار قليل ما فيها، وأهلها الذين كانوا يتمتعون بها إذا بعثوا يحسبون أنهم ما مكثوا فيها إلا ساعة، كما قال تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ وبين أن أقواهم عقلا وأثبتهم عوارا يدعي أنهم مكثوا يوما أو بعض يوم، وهو قوله في طه: إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا .
وهذا معنى قوله: أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ الدنيا تأنيث الأدنى، وهي في غاية الدناءة والدنو؛ لأنها قيل: من الدنو لأنها عرض عاجل الآن، وقيل: من الدناءة بالنسبة إلى الآخرة.