لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
تفاسير سور من القرآن
65749 مشاهدة
إهلاك المكذبين من قوم نوح

...............................................................................


ثم أعاد الكلام فقال: فَكَذَّبُوهُ لأنه ذكر أولا أنهم كذبوه تكذيبا شنيعا؛ حيث قالوا له: إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ فلما أعاد عليهم الكلام، وبين لهم أن بعثه إليهم لا يستعجب منه، وأنه لصلاحهم؛ ليخوفهم من معاصي الله، وليتقوا الله فيرحمهم الله -عادوا إلى التكذيب، وقال الله هنا: فَكَذَّبُوهُ عادوا إلى تكذيبهم الأول.
والظاهر أنه قال: فَكَذَّبُوهُ ولم يذكر شناعة قولهم، لأنهم تمادوا على مثل قولهم الأول من التكذيب. إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ ؛ يعني لما كذبوه. في الكلام اختصار صبر على أذاهم تسعمائة وخمسين سنة وهو يدعوهم إلى الإسلام صابرا على ما يلقى منهم من العذاب حتى إن ربه تعالى قنَّطه منهم.
وبين له أنه لا يؤمن منهم أحد أبدا كما قال: وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فتيقن نوح أنه لن يرجى منهم خير، وإنما فيهم الشر وتعذيب نوح وإهانته بما يناله منهم من السوء، وأنهم كلهم شر لا يرجى منهم خير أبدا ولا من نسلهم. بعد أن مكث فيهم هذا الزمان الطويل الذي بينه الله في العنكبوت في قوله: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا .
لما أعلمه الله أنهم لا يرجى لهم صلاح، ولا يرجى لهم خير، وأنه لا يؤمن منهم ولا من ذرياتهم أحد. لما حصل هذا اليأس عند ذلك دعا عليهم بقوله: لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا دَيَّارًا ؛ أي داخل دار أو عامر بيت فأهلكهم كلهم ثم قال: إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا .
وإنما قال نوح وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ؛ لأن ربه أخبره بأنهم لا يؤمن منهم أحد في قوله في سورة هود: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فلما دعا عليهم نوح وبين الله دعاءه عليهم في آيات كثيرة فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ .
لما مكث فيهم هذا الزمان الطويل وهم يكذبونه ويؤذونه، وكانت امرأته خبيثة تدلهم على من أسلم من القليلين الذين أسلموا معه؛ فيعذبونهم ويهينونهم -أهلكها الله معهم وصارت مع الكافرين، ودخلت النار، والعياذ بالله.
وضربها الله مثلا مع امرأة لوط لمن يكون في صحبة أفاضل الناس، وخيار الأنبياء، ولا يكون في نفسه طيبا فلا ينتفع بتلك الصحبة الكريمة لخبث نفسه قال: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ .
ومعنى خانتاهما؛ أي بالكفر وإطلاع الكفار على أسرارهما، وليس المراد أنهما خانتا خيانة الزنا كما توهمه بعض الناس، وأن امرأة نوح خانته فزنت، واستدلوا بأن الله لما قال نوح رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ؛ فهذا غلط بل غلط عظيم فاحش.
والمحققون من أهل العلم أن الله أكرم مناصب الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه عليهم، وطهر فرشهم فلم تزن امرأة نبي قط. والولد الكافر الذي أغرق هو ابن نوح لاشك فيه؛ لأن الله وهو أصدق من يقول صرح بأنه ابنه؛ حيث قال: وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ .
وقول الله له: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ يعني بحذف الصفة من أهلك الموعود بنجاتهم وإركابهم في السفينة لقوله: لننجينك وأهلك؛ لأنه فارق دينكم، وكان كافرا.
فلما تطاول الزمن على نوح وهو يدعوهم فلا يزيدهم دعاءه إلا فرارا وبعدا عن الحق -دعا عليهم، فأجاب الله دعوته فأرسل السماء مدرارا، وفجر عيون الأرض فالتقى الماء من أعلى وأسفل حتى صار طوفانا غطى على الجبال. والدليل على أنه غمر الجبال أن نوحا لما قال لولده: يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ .
فقال الولد: سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ أجابه نوح فقال: لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ فدل على أنه ليس هناك معتصم في الجبال، ولذا قال تعالى: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ فصار طوفانا جارفا أهلك جميع من على وجه الأرض من كل ما هو حي إلا من كان في تلك السفينة.كما قال تعالى: فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ .
فأمر الله نبيه نوحا بأن يجعل تلك السفينة ويجعلها من نجارة، وكان ينجرها والأرض يبس، وهم يضحكون منه ويسخرون ويقولون: كنت نبيا فصرت نجارا، وهو يقول لهم: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ .
فلما قرب الوعد المحدد لإهلاكهم قيل لنوح اركب في السفينة واحمل فيها أهلك، وَمَنْ آمَنَ معك، ثم قال: وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ وأمر أن يأخذ من كل شيء من جميع الحيوانات زوجين؛ أي ذكرا وأنثى، لأن جميع من على وجه الأرض سيهلكه الطوفان، ولن يبقى إلا من في تلك السفينة.
فيكون كل جنس من أنواع الحيوانات موجود معه منه ذكر وأنثى ليتناسل ذلك الذكر بتلك الأنثى وينشأ منهما ذلك النوع من أنواع الحيوانات كما يأتي في قوله: قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وفي القراءة الأخرى: من كلٍّ زوجين اثنين.
أي ذكرا وأنثى ليقع منهما التناسل، وينتشر منهما ذلك النوع؛ لأن من على وجه الأرض سيهلكه ذلك الطوفان، وذلك يبين أن ذنوب بني آدم قد يهلك الله بها الجميع حتى الحيوانات. قال بعض العلماء: قد تهلك الحبارى في وكرها، والجعير في جحره بذنوب بني آدم.