الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
كتاب الروض المربع الجزء الأول
92123 مشاهدة
من مات قبل قضاء ما عليه

وإن مات بعد أن أخره لعذر فلا شيء عليه، ولغير عذر أُطعم عنه لكل يوم مسكين كما تقدم ولو بعد رمضان آخر؛ لأنه بإخراج كفارة واحدة زال تفريطه والإطعام من رأس ماله أوصى به أو لا.


يقول: لو استمر به المرض حتى مات ففي هذه الحال هو معذور؛ لأنه لم يتمكن؛ مرض في رمضان وأفطر عشرا، واستمر به المرض في شوال وفي ذي القعدة وفي ذي الحجة، ومات في محرم وهو على فراشه طوال هذه المدة لا شيء على وليه؛ لا كفارة ولا قضاء، وما ذاك إلا أنه لم يفرط، ما تمكن وفرط ولا قدر، فهو معذور والحال هذه في أن لا يصام عنه ولا يطعم عنه؛ حيث ما بدا منه تفريط.
أما إذا شفي بعد رمضان وقدر على الصيام وتمكن منه؛ ولكنه فرط ومضى عليه شهر أو شهران وهو قادر، ثم مات؛ في هذه الحال يعد مفرطا فيقال لوليه: صم عنه أو أطعم عنه فيطعم عنه من ماله عن كل يوم مسكين؛ يطعم الولي مسكينا عن كل يوم، ثم الإطعام يكون من تركته وعند الإمام أحمد في المشهور أنه لا يصوم عنه إلا إذا كان عليه نذر، أما رمضان فلا يصومه عنه وليه. إذ أفطر عشرا من رمضان، وشفي وزال عذره ولم يصم، ومات بعد مدة فيطعم عنه، هذا هو الذي ذكره هنا؛ لأنه بنى على المشهور من مذهب أحمد بأنه لا يصوم عنه بل يطعم عنه، والقول الثاني: أنه يصوم عنه وهو أقوى دليلا فيصوم عنه وليه إذا كان عليه صيام سواء كان قضاءً أو نذرا أو كفارة.
فإذا مات وعليه عشرة أيام من رمضان، وقد فرط قضاها عنه أحد أوليائه من ذكور وإناث، وإذا مات وعليه أيام نذرها؛ نذر أن يصوم مثلا عشرا أو شهرا ولكنه لم يصم فإن وليه يصوم عنه؛ ودليله قصة التي جاءت وقالت: إن أمي نذرت إن نجاها الله من البحر أن تصوم شهرا, فنجاها وماتت قبل أن تصوم فأمرها أن تقضي قال: أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ فاقضوا الله؛ فالله أحق بالوفاء. أمرها بأن تقضي عن أمها ذلك النذر؛ لكن ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: من مات وعليه صيام صام عنه وليه وهذا عام في صيام النذر والكفارة والفريضة، عليه صيام فيلزم الولي أن يصومه.
لكن إن تكاسل الأولياء وتثاقلوا وامتنعوا أطعموا عنه ؛ يطعم عنه من ماله إذا كان له تركة عن كل يوم طعام مسكين؛ نصف الصاع من البر أو نحوه، ويقدم ذلك على الوصايا؛ لأن هذا يعتبر ملحقا بالديْن فتقدم الكفارة على الوصايا إذا أوصى بوصية. نعم.