يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
كتاب الروض المربع الجزء الثاني
80544 مشاهدة
إقامة الحدود على أهل الذمة فيما يعتقدون تحريمه

بسم الله الرحمن الرحيم. قال الشارح -رحمه الله تعالى-
فصل: في أحكام أهل الذمة ويلزم الإمام عقده أي أخذ عهد الذمة بحكم الإسلام في ضمان النفس والمال والعرض، وإقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه كالزنا دون ما يعتقدون حله كالخمر؛ لأن عقد الذمة لا يصح إلا بالتزام أحكام الإسلام كما تقدم، وروى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بيهوديين قد فجرا بعد إحصانهما فرجمهما .


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد هذا الفصل في أحكام لأهل الذمة؛ وقد عرفنا أن أهل الذمة هم اليهود أو النصارى أو المجوس؛ الذين يدخلون في ذمة الإسلام، ويعطون ذمة وعهدا على أن يقروا على دينهم ويبذلوا جزية ويلتزموا صغارا، ويكونون بين المسلمين، ويبقون في بلادهم وعلى دينهم، ولهم أحكام وقد ذكرت في كتب الأحكام وأفردت بالتأليف، ولابن القيم كتاب بعنوان: أحكام أهل الذمة مطبوع في مجلدين، ولم يوجد كاملا.
يمكن أن المفقود أيضا مثل الموجود، وقد كتب عمر رضي الله عنه أحكاما يلتزمونها؛ يلتزمون بها. حديث مروي في سنن البيهقي وفي غيره، ذكره ابن كثير عند تفسير قوله تعالى في سورة التوبة: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وفيه التزامهم التزاماتهم بأننا نلتزم ألا نظهر شعارنا ولا أعيادنا ولا شيئا من علامات أدياننا، ولا نتشبه بالمسلمين في لباسهم وفي زيهم، ولا نركب مراكبهم، ولا نجلس مجالسهم، ولا ندخل المساجد، ولا نحدث كنائس ولا بيعا ولا صوامع، ولا نركب الخيل، وأن نجز نواصينا، وأن نشد على أوساطنا بالزنانير، وأن نعترف بأحكام الإسلام ونخضع لها، وأن نتجنب ما حرم في ديننا، وألا نظهر خمرا ولا خنزيرا، ولا نضرب بناقوس... إلى آخر ما التزموا به.
ولا شك أن هذا من آثار دخولهم تحت حكم الإسلام. لما أنهم التزموا أن يدخلوا تحت حكم الإسلام، كان من آثار ذلك خضوعهم لهذا الأمر؛ الذل والانكسار والصغار، واعترافهم بفضل الإسلام وبفضل المسلمين وبمكانة المسلمين، اعترافهم بذلك. كل هذا مما يلزمهم العمل به؛ فيلزم الإمام أخذهم بحكم الإسلام في النفس والمال والعرض، وإقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه دون ما يعتقدون حله. فمن أحكام الإسلام: القصاص. فإذا حصل بينهم شيء مما يوجب القصاص؛ فإنهم إذا تحاكموا إلينا وحكمنا بينهم فإننا نحكم بينهم بشرع الله.
يقول الله تعالى: فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ أي: بالعدل. أي: أنت مخير بأن تردهم إلى كتابهم فتقول: تحاكموا إلى كتابكم أو أن تحكم بينهم، فإن حكمت بينهم فإنك تحكم بينهم بكتاب الله أي: تحكم بينهم بالقسط.
كذلك يحكم بينهم أيضا وبين المسلمين. إذا حصل بينهم وبين المسلمين خصومة؛ فإننا نحكم بينهم بحكم الله تعالى بما يوافق شرع الله؛ سواء في النفس أو فيما دون النفس، إلا أنه لا يقتل مسلم بكافر كما ورد في الحديث، فإذا قتل مسلم كافرا وتحاكموا إلينا فليس فيه إلا الدية، ليس فيه القصاص؛ وذلك لعدم المكافأة في الفرق بين المسلم الذي يعصمه دينه وبين الكافر ولو كان له ذمة، ولكن يمنع المسلم من الاعتداء عليهم؛ فإنهم ما بذلوا الجزية إلا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم، ويعاقب المسلم الذي يعتدي على ذمي بقتله أو بأخذ ماله أو نحو ذلك، يعاقب بما يردعه.
ذلك من أسباب إظهار العدل؛ إذا رأوا أن المسلمين يعدلون فيهم كان هذا مما يحملهم على الاعتراف بفضل الإسلام، وكذلك أيضا إذا أتلف شيء من أموالهم فإنه يُغرم وإذا أتلفوا شيئا من أموال المسلمين فإنهم يَغرمونه، وإذا اختلفوا مع مسلم في شيء من المال فإنه يحكم بينهم؛ يحكم بينهم بالعدل، وبما يوافق حكم الإسلام، وهكذا مثلا في الحدود.
فإذا قذف واحد منهم فعليه حد القذف، وإذا قُذف فله حق المطالبة بمن قذفه أن يقام عليه الحد؛ إذا قذف بالزنا أقيم عليه حد القذف وهو الجلد، وإذا قذف فذلك القاذف إذا لم يكن هناك شبهة وكان هناك ما يبرر كذبه فإنه يقام عليه الحد أو يعزَّر.
وكذلك حد الزنا يقام عليهم؛ إذا زنى ذمي بذمية فإنه يقام عليهم الحد، والحد هو أنه إن كان محصنا يرجم، وإن كان غير محصن فإنه يجلد أو يجلد ويغرب؛ والدليل هذا الحديث الذي ذكر فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى اليهود مرة يمشون باثنين قد حمموهما؛ فسأل ماذا تجدون في كتابكم حد الزاني؟ فقالوا: الجلد والتحميم. فقال عبد الله بن سلام كذبتم؛ إن في التوراة لحد الزنى الرجم، فعند ذلك قال: فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فجاءوا بالتوراة فنشروها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آمنت بك وبمن أنزلك، فأخذوا يقرءون فجعل القارئ يده على آية الرجم وقرأ ما قبلها وما بعدها فقال ابن سلام ارفع يدك، فإذا آية الرجم تلوح، فقالوا: صدق يا محمد فيها الرجم، فأمر بهما فرجما بعد أن شهد أربعة أنهم رأوه يزني بها. يقول الراوي: فرأيت الرجل يحنو على المرأة يقيها الحجارة فهذا ونحوه دليل على أنه يقام عليهم الحد، يقام عليهم حد الرجم أو حد الجلد، ويقام عليهم حد السرقة؛ القطع، وكذلك حد القذف وحد السحر وحد الردة وما أشبه ذلك، وأما حد الخمر فإنهم يستحلونها في دينهم فلا يقام.
يقتصر على الحد الذي يعترفون به، بأنه في دينهم محرم، والذي يتولى ذلك هو الإمام؛ الذي يتولى تنفيذ هذه الحدود، أو نائب الإمام. ثم معلوم أن التحاكم يكون بعدما يحصل بينهم خصام بأنفسهم أو بينهم وبين المسلمين. نعم.