إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
شرح نظم البرهانية
70572 مشاهدة
الحق الثالث: الديون المطلقة التي في ذمة الميت

بعد ذلك الثالث: الديون المطلقة التي في ذمته. الديون تكون قسمين: ديون لله، وديون للآدميين.
الديون التي لله: كالزكوات. إذا كنا نعرف أنه ما أخرج زكاة هذا المال سنة أو سنوات؛ فتُقَدِّم وتخرج الزكاة قبل قسم المال، وكذلك إذا كان في ذمته نذر -يعني- كان قد نذر نذرًا ماليًّا، نذر أن يتصدق بألف -مثلًا- نذرًا مطلقًا أو نذرًا معلقًا كأن يقول -مثلًا- إن شفيت من هذا المرض فلله علي أن أتصدق بألف أو بعشرين ألفا، أو أعمر بها مسجدًا أو نحو ذلك؛ فإنه يقدم هذا النذر؛ وذلك لأنه دين في ذمته التزمه. يقدم على حقوق الورثة.
وكذلك ديون الآدميين: إذا كان في ذمته لزيد -مثلًا- ألف، ولآخر خمسة آلاف، ولآخر عشرون ألفًا؛ فإنهم يقدمون قبل قسمة التركة، وإذا ضاقت التركة عن حقوق الورثة قسمت عليهم بقدر حقوقهم. إذا نظرنا وإذا التركة -مثلًا- عشرة آلاف، وإذا الديون ثلاثون ألفًا، التركة ثلث الديون؛ يعطى كل واحد منهم الثلث من دينه.