إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
108362 مشاهدة
لباس الإحرام موعظة للمؤمن

ولا شك أيضا أن في هذا اللباس تزهيدا للمسلمين وإخبارا لهم بأنهم وإن حصلوا من الدنيا على ما حصلوا؛ فإن ذلك لا يفيدهم ولا ينفعهم وإنما ينفعهم ما قدموه لآخرتهم، ولأجل ذلك ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يقول ابن آدم: مالي، مالي وهل لك من مالك يا ابن آدم إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست؛ فأبليت أو تصدقت فأمضيت، وما سوى ذلك فإنك ذاهب وتاركه .
فإذا علم بأن هذه حالته؛ فإن عليه أن يقنع من الدنيا بما يسر الله، وعليه أيضا أن يتذكر بأن هذا اللباس هو لباسه إذا رحل من الدنيا، لباس الأموات إنما هو لفافة يلف بها الميت بعد رحيله؛ ولهذا إذا مات وهو على هذه الحال، إذا مات وهو محرم فإنه يكفن فيه ثوبيه، ورد في حديث عن ابن عباس أن رجلا في حجة الوداع سقط من بعيره، ولما سقط اندق رأسه واندقت رقبته يقول: سقط من دابته، فوقصته يعني: انكسرت عنقه فمات. فسألوا عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تغطوا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا .
فهكذا هذا هو شعار هذا المحرم، شعاره هذا اللباس؛ لا يغطي رأسه ولا يلبس اللباس المعتاد. وكذلك أيضا لا يترفه؛ فلا يقص من شعره لا من شعر وجهه وكذلك أيضا لا يقلم أظفاره، ولا يتطيب ولا يمس النساء. كل ذلك؛ ليبتعد عن الترفه والتنعم؛ فإن عباد الله ليسوا بالمترفهين، ليسوا بالمترفين.
المحرم الذي يحرم ويتلبس بهذه العبادة يتجنب هذه المعتادات: الطيب والنساء وما أشبه ذلك.
يجوز له -والحال هذه- أن يتمتع بالمباحات؛ فيجوز أن يأكل مما تشتهيه نفسه ومما يلتذ به؛ وذلك لأن الذي حرم إنما هو نوع من الترفه خاص كما يتعلق بالنساء والطيب وما أشبه ذلك، ولم يحرم الله عليه أكل الطيبات فهو يأكل مما شاء من اللحوم ومن الفواكه ومن الخبوز ومن أنواع الأطعمة ما تشتهيه نفسه إلا أنه يتجنب الإسراف الله تعالى أباح المآكل إباحة مطلقة؛ فقال الله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ .
وهذا من حيث العموم لا يختص بالحجاج ولا بغيرهم، أن الإنسان لا يسرف في المآكل الذي يكون فيه إفساد لهذه الأطعمة وإضاعة لماليتها.
كذلك أيضا للمحرم أن ينام كما يشاء إلا أنه يتحاشى أن يغطي رأسه إذا نام، وله أن يمشي وله أن يركب ما يشاء من المراكب إلا أنه يستحب في حقه أن يكون ضاحيا، يعني: أن يكون بارزا لا يستظل إلا عند الحاجة؛ فإن استظل للحاجة فإنه لا مانع من أن يفعل ذلك؛ رأى ابن عباس رجلا قد استظل تحت شجرة فأخرجه، وقال: أضح لمن أحرمت له.
الإضحاء معناه: البروز في الشمس، وهو معنى قوله تعالى في قصة آدم إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى .
أي: أنك في الجنة لا تجوع ولا تعرى ولا تظمأ ولا تضحى، يعني: لا تبرز للشمس وللحر؛ فيلزم أن المحرم يكون هكذا ألا يستظل إلا عند الحاجة حتى يكون بارزا أمام عباد الله تعالى.
كذلك أيضا المحرم عليه أن يتجنب اللغو والرفث والكلام السيئ؛ كان بعض الصحابة والسلف -رحمهم الله- إذا أحرموا اجتنبوا المجالس التي فيها اللهو واللعب والقيل والقال، واقتصروا على ما لا بد منه.
ذكروا عن شريح القاضي أنه إذا أحرم كأنه الحية الصماء. أي: لا يتكلم إلا بالذكر؛ وذلك لأن الله تعالى نهى عن عموم الرفث في قوله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ .
هكذا نهى عن هذا؛ وفسر الرفث أنه ما يتعلق بالنساء، الكلام الذي يتعلق بالعورات ويتعلق بالنساء، ويدخل في ذلك الوطء ومقدماته. لا شك أن هذا مما حرمه الله تعالى على المحرم.
كذلك أيضا الكلام الذي لا فائدة فيه ولا أهمية له؛ عليه أن لا يتكلم إلا بالشيء الذي ينفعه أو الذي فيه فائدة.
إذا كان هذا صفة المسلم من حيث العموم؛ فإنه كذلك أيضا في هذه الأيام بالخصوص عليه أن يحرص على أن يصون لسانه وألا يتكلم إلا بالخير؛ إذا علم المسلم أن كلامه مقيد محصى عليه؛ فإنه يقل كلامه.
ورد عن بعض السلف أنه قال: من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه أي: حفظ لسانه وأمسكه فلا يتكلم إلا في الشيء يعنيه والذي يهمه؛ إذا علم بأن كلامه من عمله وأنه محصي عليه. كل كلمة يتلفظ بها لا بد أنها مسجلة، وأنه يحاسب عليها؛ إذا لم يكن فيها خير، ولم تكن مع الطاعات ندم عليها، ندم على أنه تكلم بها، فأما إذا كان الكلام فيه فائدة؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم العلم ونحو ذلك فإن هذا مما يثاب عليه.
ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا ذكر الله وما والاه، وأمرا بمعروف ونهيا عن منكر ومعناه أنه يتأسف عليه سيما إذا تكلم بشيء فيه عتاب أو فيه مفسدة؛ ورد قوله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا، يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب- أو يهوي بها في النار سبعين خريفا- .
كلمة يتكلم بها وهي من سخط الله ولا يلقي لها بالا؛ فإذا كان هذا من حيث العموم؛ فإن المحرم أولى بأن يصون لسانه، وبأن يتحفظ ولا يتكلم إلا بكلام فيه فائدة.