قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
108243 مشاهدة
من آداب الحج خدمة الرفقاء

من آداب الحج أيضا: خدمة الرفقاء. إذا كنت مثلا مع رفقة من هؤلاء الأخيار فاحرص على أن تخدمهم، وأن تقوم بحاجاتهم كما كان ذلك دأب الصالحين قبلنا. كان كثير من الصالحين والعباد إذا حجوا يشترط على رفقته أن يخدمهم بكل ما يستطيعه؛ فيصلح طعامهم ويصلح شرابهم، ويرتوي لهم. يأتي لهم بالماء ولو من مكان بعيد ولو من أدنى جوف البئار.
وكذلك أيضا يخدمهم في كل شيء حتى في أنفسهم؛ فحتى أنه إذا أراد أحد أن يغسل ثوبه قال: هذا من شرطي؛ فيأخذه، ويغسل ثيابهم ويغسل رءوسهم، أو يجدلها إذا احتاجوا إلى تسريح شعر أو ما شبه ذلك. فضلا عن كونه يخدمهم في إصلاح فرشهم وإصلاح مجالسهم ومراكبهم وما أشبه ذلك؛ وذلك لخفة نفوس أولئك العباد ومحبتهم أن يكون عملهم متعديا فيقولون: هذا سفر طيب هذا سفر محبوب، والمسافرون فيه من أولياء الله ومن عباده الصالحين؛ فنساعدهم على هذا العمل الصالح حتى نكون شركاء لهم. يعني: أراد بذلك أن يكون له من الأجر مثل ما لهم، أو قريب منه.
فهذه من سمات الصالحين ومن آدابهم في هذه المناسك ونحوها.
في ذلك الوقت كانت الخدمة شديدة؛ فهو الذي يذهب برواحلهم لرعيها ويعلفها، وهو الذي يرفع أمتعتهم على الرواحل، وهو الذي يحطها عن الرواحل، وهو الذي يسقي الإبل، وهو الذي يجتلب الماء من أجواف الآبار، يبقى على ذلك شهرين: شهرا ذهابا وشهرا إيابا، ولا يطلب أجرة، ولا يقول: أعطوني أجرتي على خدمتي؛ بل يتقرب بذلك إلى الله تعالى بخدمة ضيوفه؛ بخدمة ضيوف الرحمن.
هذا مما ينبغي أن يتنافس فيه المسلمون، وسواء كانوا أصحابه أو غيرهم، فإذا كنت في المشاعر، أو كنت في مكة في أحد الأماكن، ورأيت من يحتاج إلى خدمة وخدمته فلك أجر.
فإن رأيت تائها فإنك ترشده وتدله، وإن رأيت غاويا فأرشدته ودللته على الخير فلك أجر على ذلك، وإن رأيت جاهلا فعلمته فلك أجر على ذلك. لا شك أنك إذا نظرت في الناس وجدت الكثير من الجهلة؛ فعليك أن ترشدهم.
فإذا كنت مثلا عند ميقات من المواقيت ، ورأيت من يجهل شيئا من محظورات الإحرام ومن صفاته فعلمتهم وبينت لهم؛ فذلك من حسن الأخلاق ومن محاسن الأعمال، وكذلك إذا رأيت مثلا محرما قد أخطأ في إحرامه نصحته وبينت له ما يجب عليه؛ وذلك لأن هذا النسك لا بد أن يتأدب فيه الحاج بآدابه التي أمر الله تعالى بها، والتي بين آثارها، ومن ذلك قول الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ .