إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
108270 مشاهدة
الحكمة من وراء ذكر الله تعالى يوم النحر وأيام التشريق

... يوم العيد: الذي هو يوم الحج الأكبر، رمي الجمرة فيه فإنه عبادة، والحلق، أو التقصير فإنه أيضا عبادة وقربة، وكذلك الذبح؛ ذبح من معه هدي، أو من عليه فدية.
وكذلك الطواف والسعي الذي هو طواف الإفاضة وسعي الحج، كل هذه يسرها الله تعالى في ذلك اليوم؛ فكان عليهم أن يفرحوا بهذه الأيام، وأن يسروا بها، وأن يستبشروا بمرورها، يستبشروا بإدراكها؛ فيكون ذلك فضلا كبيرا من الله تعالى على من وفقوا لهذا الخير كله، فهذا هو السبب في أن هذا اليوم، وهذه الأيام أعياد للمسلمين. من حكمة الله تعالى أن أمرهم بأن يأكلوا فيها من هديهم، ومن أضاحيهم، ويوسعوا على المساكين؛ ولهذا قال تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ؛ يعني على ما رزقهم، وعلى ما سخر لهم من بهيمة الأنعام فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ فالهدي الذي يذبح في هذه الأيام، وكذلك الأضاحي التي تذبح في البلاد -هي من جملة ما سخره الله، الله تعالى سخر هذه الأنعام، لو شاء لجعلها تهرب من الناس، كما تهرب الظباء والوعول، ولكن ذللها وجعلها مذللة ومسخرة يملكها الإنسان؛ فيركب ظهور الإبل، وينتفع بها، ويأكل من لحومها، ويشرب من ألبانها، ويأتدم بسمنها، ويأكل من لحومها، وينتفع بجلودها، وينتفع بشعرها ووبرها وصوفها، وفيها منافع كثيرة: وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ .
ذكر الله تعالى عباده بذلك في قوله تعالى: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ؛ أي الإبل جعلناها لكم من شعائر الله؛ أي مما جعل شعيرة من شعائر الإسلام، شعائر الله تعالى: هي الأثر التي تكون عبادة له، كما في قوله: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ وكما في قوله تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ؛ فشعائره: هي العلامات التي يتقرب فيها إليه بالعبادات، فمن جملة ذلك هذا الهدي، وهذه البهائم؛ فإن ذبحها يعتبر شعيرة من شعائر الله سبحانه وتعالى؛ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ أطعموا القانع: المتعفف. والمعتر: المتسول الذي يأتي ويطلب. أطعموهم مما أطعمكم الله ومما سخره لكم.
ولما كان كذلك جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الأيام أيام أكل وشرب، ونهى عن صيامها؛ نهى عن صيام أيام التشريق الثلاثة: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وجعل الفطر فيها؛ لأجل الأكل مما أباحه الله، ولأجل إظهار الفرح بنعمة الله -عز وجل- ثم إنه سبحانه أمرنا في هذه الأيام بكثرة ذكره، أمرنا بأن نذكره قال الله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ وهي هذه الأيام فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ ؛ يعني تعجل وخرج في اليوم الثاني عشر فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ ؛ يعني إلى أيام؛ إلى الثالث عشر فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ أمرنا بأن نذكره في هذه الأيام.
وكذلك أمرنا بذكره بعد الانتهاء من المناسك في قول الله -عز وجل- فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا كان أهل الجاهلية إذا انتهوا من أعمال المناسك يجتمعون في أماكن فيها أسواق؛ يجتمعون فيها، ثم يذكرون آباءهم، ويذكرون أسلافهم، ويفتخرون بأفعال أسلافهم؛ فأمر الله المسلمين أن يجعلوا بدل ذلك ذكر الله، أن يذكروا الله بدل ذكرهم لآبائهم وأجدادهم أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ؛ يعني أو يذكروا الله تعالى ذكرا أكثر من ذكرهم لآبائهم؛ فلذلك نتواصى بأن نختم أعمالنا بذكر الله -عز وجل-؛ فإنه دواء القلوب، يقول بعض الشعراء:
بذكـر اللــه ترتــاح القــلوب
ودنيانــا بذكـــراه تطيـــب
فذكر الله يعتبر سلوة للمؤمنين، ويعتبر أنسا لهم، ويعتبر لذة لهم يتلذذون به ويأنسون به؛ وذلك لأنهم يذكرون الله -عز وجل- الذي هو ربهم وخالقهم ومدبرهم، يذكرونه بأسمائه الحسنى، وبصفاته العلا، ويتذكرون فضله عليهم، ويشكرونه على ما أولاهم من الخير وعلى ما أولاهم من النعم.
وكذلك أيضا يذكرونه في كل الحالات، كما مدح الله تعالى عباده بقوله: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ؛ أي في كل حالاتهم، فهكذا علينا أن نكثر من ذكر الله في هذه الأيام، وكذلك فيما بعدها؛ فإن من ذكر ربه عظم قدر ربه في قلبه.
إذا كبر الله اعتقد أنه الكبير المتعال، اعتقد أن له الكبرياء، كما أخبر عن نفسه في قوله تعالى: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ له الكبرياء، ومن أسمائه العزيز الجبار المتكبر.
وكذلك أيضا يذكرونه بأن يسبحوه ويحمدوه ويثنوا عليه ويمجدوه، وبذلك يعصمهم الله تعالى من المعاصي؛ فإن الذي يجري ذكر الله دائما على لسانه يحفظه الله عن أن يعمل ذنبا، عن أن يقترف ذنبا أو يعمل معصية؛ بل يكون دائما من الذين يذكرون ربهم في كل حالاتهم، وإذا ذكر الله تعالى تذكر أمره ونهيه؛ فيطيعه، يفعل ما أمره به من العبادات، ويترك ما نهاه عنه من المعاصي والمحرمات.
وإذا ذكر الله تذكر أيضا ثوابه وعقابه؛ فيطلب الثواب بفعل الأسباب، ويهرب من العقاب بترك الأسباب التي توجب العقاب، إذا ذكر ثواب الله تعالى في الدار الآخرة؛ الجنة وما فيها من النعيم، وذكر عقاب الله الجحيم والعذاب الأليم -إذا ذكر ذلك فإنه يطلب الثواب ويفعل أسبابه، ويهرب من العذاب ويترك أسبابه، فهذه آثار هذه العبادات، وهذا هو السبب في أن الله سبحانه وتعالى رغب عباده في أن يذكروه، وفي أن يشكروه، وفي أن يحمدوه ويثنوا عليه هكذا.