القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
108288 مشاهدة
الله تعالى ربّى الإنسان بإسباغ نعمه عليه

مما يَخُصُّ الإنسان أن الله تعالى ربَّاهُ بنعمه، ربانا بِنِعَمِهِ، فأولا: عنايته سبحانه بالمخلوق عندما كان في الرحم، الإنسان وغيره من الحيوانات؛ عنايته به لما كان في الرحم. لا شك أنها دلالة على عظمته. كيف أنه تطور من كونه نطفة إلى علقة، إلى مضغة، إلى عظام، إلى عظام ولحم، ثم لما تم خَلْقُهُ أخرجه إلى هذه الدنيا، ثم لَمَّا أخرجه جعل له ما يتم به معاشه؛ فأعطاه سمعا وبصرا ولسانا وقلبا، وأعطاه يدين ورجلين، وأعطاه جميع الْخَوَاصِّ التي يحتاج إليها؛ لتتم بذلك نعمته.
ثم بعد ذلك ذكر العلماء أن الله تعالى من عنايته بالإنسان لما كان في بطن أمه: لم يكن له إلا باب واحد يَتَغَذَّى به، وهو سُرَّتُهُ؛ يتغذى بهذا الدم الذي هو دم الطَّمْثِ، ينصرف إلى سرته، ثم مع ذلك يجري في عروقه إلى أن ينبت إلى أن نبت وتنامى خلقه.
ولما خرج إلى الدنيا أول ما خرج كان له بابان يأتيه منهما الرزق، وهما الثديان، جعل الله تعالى فيهما له غذاء، وألهمه وهو طفل ساعةَ ما يولد -ألهمه أن يمص، فإذا مص هذا الثدي دَرَّ عليه لبنا سائغا، كان في هذا غذاؤه.
ولما استغنى عن هذين البابين جعل الله غذاءه أربعة أبواب: طعامان وشرابان، الطعامان: الأول اللحوم، والثاني بقية الأطعمة التي هي النباتات - اللحوم والنباتات، هذه هي غذاؤه، فكل الأغذية لا تخرج عن هذين: إما نباتات يخرج من الأرض ثم بعد ذلك يُعْمَلُ ما يعمل، وإما من هذه اللحوم التي يسرها الله تعالى وأحلها؛ لحوم صيد البحر، وصيد الْبَرِّ، والبهائم وما أشبهها، فيها غذاؤه، وبها ينبت جسمه، وبها ينمو، وبها يكبر.
أما الشرابان فأحدهما: اللَّبَنُ الذي جعله الله تعالى غذاء، وهو ما يخرج من هذه الحيوانات من الإبل أو البقر أو الغنم التي فيها هذا اللبن. والثاني: بقية الأشربة التي هي الماء أو ما يُعْصَرُ من العصيرات من الفواكه ونحوها الماء ونحوه، لا شك أن هذه أيضا عناية تامة؛ طعامان وشرابان إلى أن يخرج من هذه الدنيا.
فإذا خَرَجَ من الدنيا، فإن كان من أهل السعادة، ومن أهل الخير؛ فتح الله له أبواب الجنة الثمانية، كما جاء ذلك في حديث عبادة قوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأَنَّ عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم ورُوحٌ منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق؛ أدخله الله الجنة على ما كان مِنْ عَمَلٍ وفي رواية: فُتِحَتْ له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أَيِّهَا شاء وفى حديث الوضوء: أن العبد إذا توضأ، وَكَمَّلَ الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ فُتِحَتْ له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء .
أما إذا كان شَقِيًّا فإنها تُفْتَحُ له أبواب جهنم والعياذ بالله: لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ .
وبابُ الجنة كما ورد في الحديث أَنَّ سَعَتَهُ مسيرة أربعين سنة، ما بين مِصْرَاعَيِ الباب مسيرة أربعين سنة بالسير المعتاد. ماذا تكون سعة الباب الواحد؟! قد تكون مسافة أكثر من مائة ألف كيلوات أو أمتار، فأخبر بأنه يأتي عليه يوم وهو كظيظ من الزحام؛ أي مع هذه السَّعَةِ كل باب هذه سعته.
فهذا معنى أن الله تعالى ربَّانَا بنعمه، وإذا كان هو الذي ربَّانا فإنه هو رَبُّ العالمين. رَبَّ الْعَالَمِينَ ؛ يعني مُرَبِّيهم الذي رَبَّاهُمْ بِنِعَمِهِ، وإذا كان كذلك؛ فإنه المعبود وحده، لا نَعْبُدُ غيره.