الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
مواعظ وذكرى
5646 مشاهدة
مواعظ وذكرى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في هذه الأمسية المباركة نتذاكر فيما بيننا بعض المواعظ التي يذكر الله تعالى بها عباده؛ حتى يعتبروا وحتى يعملوا عملا صالحا.
فنتذكر بدء خلق الإنسان وإعادته، ونتذكر ما يكون في البرزخ من عذاب، أو نعيم، ونتذكر ما يكون في الموقف العظيم من الأهوال والأفزاع، ونتذكر ما يكون بعد ذلك من عذاب أليم، أو نعيم مقيم، وكذلك أيضا ننظر في النتيجة عاقبة هذا الذكر وهذا التذكر.
فأولا: إن الله تعالى أمر بالتذكير؛ لينتفع به أهل الخير فقال الله تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ الذكرى؛ يعني التذكير الذي هو الموعظة والتذكير بما يكون في الدار الآخرة وما يكون في الدنيا فإنها تنفع المؤمنين، وغير المؤمنين هم الذين لا يتذكرون؛ بل ينفرون من الذكرى الذين ذمهم الله تعالى بقوله: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ أخبر الله تعالى بأن أهل الذكرى هم أهل الإيمان الذين يتذكرون إذا ذكروا، ويتعظون إذا وعظوا، وأخبر بأن غيرهم هم الذين لا يتذكرون ولا يقبلون الموعظة؛ بل يهربون منها وينفرون منها قال الله تعالى قال عنهم سبحانه وتعالى: كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ؛ أي من شاء تذكر ومعنى ذلك أن من شاء لم يتذكر فإنه محروم ويقول الله تعالى: فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ؛ أي كأنهم الحمر الحمير التي تنفر إذا رأت الأسد، أو رأت من يرمي.
لا شك أن هذه صفة ذميمة، وإذا عرفنا أيها الإخوة أنا مأمورون بأن نذكر وأنا مأمورون بأن نتذكر فإننا نحرص على أن نعرف الشيء الذي نتذكر به، والذي يكون ذكرى للمؤمنين، والذي يكون موعظة لأهل الإيمان الصحيح؛ فنقول: أولا نتذكر بدء الخلق بدء خلق الإنسان دائما يذكر الله تعالى الإنسان بمبدأ خلقه ويذكره بأول أمره فيقول الله سبحانه وتعالى: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى فيذكر الله تعالى الإنسان الذي عصى وعتى فيقول له: تذكر مبدأ أمرك أليس أولك نطفة مذرة؟! أليس كنت في صلب أبيك نطفة من مني يمنى؟! أليس قد كونك الله تعالى؟! لما أن قذف بك في رحم والدتك فكنت في أول الأمر نطفة، ثم خلق الله تعالى النطفة علقة. والعلقة: هي القطعة من اللحم الأسود القطعة السوداء من دم، أو نحوه، ثم جعل الله تعالى تلك العلقة مضغة؛ أي لحما صغير قدر ما يمضغه الماضغ، ثم صور تلك المضغة عظاما، كونها بقدرته وبإرادته عظاما، ثم بعد ذلك يقول: ثم كسونا العظام لحما. هكذا أخبر سبحانه .
فبعد ذلك أخرج الله تعالى الإنسان من ذلك المكان الضيق، أخرجه إلى هذه الدنيا، ولما أخرجه حنن عليه قلب والدته؛ حنن عليه قلب الأم التي هي في قلبها له رحمة فعطفت عليه، وفتح الله تعالى له بابين من الرزق وهما الثديان يمتص ذلك اللبن الذي يكون غذاؤه، ألهم الله الطفل ساعة يولد أن يمتص، الامتصاص إلهام من الله؛ يعني علمه الله تعالى وألهمه أن في امتصاصه ما يكون سببا في غذائه فهكذا ألهمه الله إلى أن استغنى بهذا وشب وترعرع.
بعد ذلك يسر الله له ما يتغذى به فيسر الله له الأرزاق والأغذية، فجعل له نوعين من الطعام ونوعين من الشراب، فجعل له من الطعام نوعين: اللحم وسائر الأطعمة يتغذى باللحوم ويتغذى ببقية الأطعمة، وكذلك من الشراب: الألبان وسائر المياه التي يشرب منها.
هكذا تغذى إلى أن شب وترعرع وأصبح يتقلب في أموره سويا قويا، كما قال تعالى: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ونتذكر أيضا، أو نذكر أن ربنا سبحانه وتعالى لما أخرج الإنسان إلى هذه الدنيا أعطاه ما ينتفع به؛ فأعطاه السمع والبصر والفؤاد واللسان والقوة قال الله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ؛ يعني أخرجكم في حالة ضعف عندما خرج الإنسان وهو ضعيف ليس به قدرة على أن يغني نفسه، ولا أن يتقلب في أموره، ثم جعل بعد ذلك الضعف قوة؛ أي نشاطا وهو في حالة شبابه، وفي حالة قوته في وسط عمره، ثم في آخر عمره يرد إلى أرذل العمر؛ فيكون ينقلب بعد أن كان قويا يكون ضعيفا، وبعد أن كان شبابا ينقلب شيخا ضعيف البنية وضعيف التركيب. هذا التقلب وهذا الانتقال يذكره أن ربه الذي خلقه هو الذي أنعم عليه.
فيتذكر أيضا أن ربه سبحانه أعطاه النعم، يسر له ما يتقوت به وما يتغذى به وما ينمو به جسده إلى أن يتم نموه، وإلى أن يتكامل شبابه وتتكامل قوته، ثم تتكامل كهولته إلى أن ينتهي إلى آخر عمره، كما في قول الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ؛ أي أطفالا من أرحام الأمهات طفلا؛ يعني صغيرا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ؛ يعني قوتكم ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ؛ أي كبار الأسنان وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ لا شك أن هذا تذكير من ربنا سبحانه وتعالى لعباده كيف يتذكرون وكيف يعرفون ما أعطاهم الله سبحانه وتعالى؟!