الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
80746 مشاهدة
الكفار يشهدون لله بتوحيد الربوبية

بسم الله الرحمن الرحيم
قال المؤلف -رحمه الله-
فإذا تأملت هذا تأملا جيدا، وعرفت أن الكفار يشهدون لله بتوحيد الربوبية -وهو تَفَرُّدُه بالخلق والرزق والتدبير- وهم ينخون عيسى والملائكة والأولياء، يقصدون أنهم يقربونهم إلى الله زلفى، ويشفعون لهم عنده. وعرفتَ أن من الكفار -خصوصا النصارى منهم- مَنْ يعبد الله الليلَ والنهارَ، ويزهد في الدنيا، ويتصدق بما دخل عليه منها، معتزلا في صومعة عن الناس، وهو مع هذا كافر عَدُوٌّ لله، مُخَلَّدٌ في النار بسبب اعتقاده في عيسى أو غيره من الأولياء، يدعوه أو يذبح له، أو ينذر له. تَبَيَّنَ لك كيف صفة الإسلام التي دعا إليه نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- وتَبَيَّنَ لك أن كثيرا من الناس عنه بِمَعْزِلٍ، وتَبَيَّنَ لك معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ .


السلام عليكم ورحمة الله،،
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
يقول: إذا تأملت هذا تأملا جيدا .
يعني: شبهة المشركين المتأخرين الذين يَدْعُون الأولياء -كما يقولون- ويدَّعون أن دعاءهم ليس بشرك، وأنهم يجعلونهم وسائط وشفعاء، فعرفتَ أن الأولين كذلك يَدْعُون الأولياء والأنبياء، يَدْعُون عيسى و عُزَيْرا والصالحين منهم، ويدَّعون أنهم شفعاء لهم، ويقولون: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ فالجميع هذا قصدهم، يقولون: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ .
ثم إذا قالوا: إن الأولين امتنعوا من قول: لا إله إلا الله، امتنعوا من ذلك، ونحن نقول: لا إله إلا الله؟!
فالجواب: أنهم امتنعوا؛ لأنهم يعرفون الإله، أنه الذي تألهه القلوب محبة وخوفا ورجاء وتعظيما، وأنتم تجهلون معنى الإله؛ فلذلك تقولون: لا إله إلا الله -بألسنتكم- وتخالفونها بأعمالكم؛ فتجعلون مع الله آلهة أخرى، ترجون شفاعتهم ووجاهتهم؛ ولكن.. ما سميتموهم آلهة، سميتموهم سادة، أو شفعاء، أو وسطاء، فَغَيَّرْتُمُ الاسم؛ ولكنَّ المعنى هو المعنى. هو عندهم إله، وعندكم سميتموه سيدا، أو شيخا، أو وليا، تألهه قلوبهم، وتألهه قلوبكم -أي- تُعَظِّمُهُ. هم يُسَمُّون فعلهم تألها، وأنتم تسمونه توسلا، والمعنى هو المعنى! هم يسمون فعلهم عبادة، وأنتم تسمونه استشفاعا، وهو في الحقيقة عبادة.
قد ذكرنا معنى العبادة، هم لما كانوا أهل لغة يعرفون اللغة، وما دلت عليه، فيعرفون أن العبادة: مشتقة من التَّعَبُّدِ الذي هو: التذلل. اعترفوا بأن فعلهم عبادة، وقالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى فَسَمَّوْا فعلهم عبادة، مَا نَعْبُدُهُمْ ونحن نقول: فِعْلُكُم عبادة أيها القبوريون؛ فإنكم تقصدون الأموات عند قبورهم، ثم تقفون عندهم مهطعين مقنعين متواضعين، وهذا تَعَبُّدٌ. كذلك تعظمونهم بدعائهم: يا سيدي، يا ولي الله خذ بيدي، انصرني! وهذا دعاء. والدعاء هو العبادة حقيقةً كما دلت على ذلك الآيات، تذبحون لهم -والذبح عبادة-؛ ولو سَمَّيْتُمُوه تَوَسُّلًا. وكذلك تنذرون لهم، تهرقون على قبورهم الزيت، وتُسْرِجُون قبورهم، وكذلك تخدمون من يزورهم، وتُطْعِمُون من يعتكف عندهم، وتعتكفون حول قبورهم، وتُقَدِّسُونهم، وتُعَظِّمُونهم. ولا شك أن هذا كله من العبادة.
فالأولون يَعْرِفُون اللغة فقالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى وأنتم ما تعرفون معنى كلمة العبادة، فقلتم: نتوسل إليهم! ونتبرك بهم!؛ ليشفعوا لنا. وهو معنى قول المشركين: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ فصرتم ترجون شفاعتهم، وهم يرجون شفاعتهم، وهم يجعلونهم وسائط بينهم وبين الله، وأنتم تجعلونهم وسائط بينكم وبين الله؛ فأصبحتم مثل أولئك سواءً. ولا ينفعكم قول: لا إله إلا الله إذا قلتموها، ثم خالفتم معناها ومدلولها، ودعوتم غير الله.
يقول: الكفار يشهدون أن الله هو الخالق الرازق الْمُدَبِّرُ يعترفون بتوحيد الربوبية، وأنتم أو كثير منكم ما يعترفون إلا بتوحيد الربوبية! كثير من القبوريين يفسرون لا إله إلا الله بأن معناها: لا خالق إلا الله! لو كان كذلك لكان المشركون يقولونها؛ لأنهم يعترفون بأن لا خالق إلا الله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ففيمَ تقولون: إن معنى لا إله إلا الله: لا خالق إلا الله؟! والمشركون قد امتنعوا أن يقولوها! لما دُعُوا إليها قالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ففي هذا.. أنهم امتنعوا عن لا إله إلا الله، وهم يقولون: الخالق هو الله، الرازق هو الله: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ يعترفون بذلك لله؛ ومع ذلك يعبدون غير الله.
فالمشركون الأولون يشهدون بتوحيد الربوبية ، أي: أنه لا خالق إلا الله، وأن الله هو الذي يَرْزُقُ عباده: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قل: الله، هو أنه الذي يُدَبِّرُ الأمر -يعني- أمر المخلوقات: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ ويَنْشُرُ السحب، ويُسَيِّرُها، ويُصَرِّفُها، ويأمرها بإنزال المطر، ويأمر الأرض بالحياة وبالإنبات؛ وهم مع ذلك ينخون، النخو: هو الدعاء بقوة. ينخون عيسى -يعني- يدعونه، ويهتفون باسمه، يا عيسى يا كلمة الله! ويدعون أُمَّهُ: يا أَمَة الله! أو أَمَة الإسلام، وكذلك يدعون الملائكة. الملائكة -يعني- أفرادا وجماعات يدعونهم، والدعاء والنخو عبادة.
كذلك يدعون الأولياء، والصالحين منهم، يدعونهم من دون الله، يهتفون بأسمائهم. يقصدون أنهم يُقَرِّبُونهم إلى الله زلفى، يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى أي: يقربونا عند الله بأن يُدْخِلُونا عليه، ويشفعون لنا عنده، يسألونه لنا، يطلبونه أن يرحمنا، وأن يرزقنا، وأن يُغِيثَنَا، ويبارك لنا، ويعطينا أموالا وأولادا، فهم دعاؤهم للأولياء توسلا بهم إلى الله، يبتغون الوسيلة، يعني: يجعلونهم وسيلة وواسطة، ويستشفعون بهم وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ .
وقد استدل بهذا -أو قال هذا- المشركون القبوريون! فهم يقولون: نطلبهم، وهم يطلبون لنا الله، أو نطلبهم مما أعطاهم الله، أعطاهم الله الشفاعة فنطلبهم منها، وجعل لهم جاها فنطلب الله بجاههم، وجعل لهم عنده مكانة ومنزلة فنطلبهم بمكانتهم وبمنزلتهم التي أنزلهم الله لها؛ فلأجل ذلك نطلب تقريبهم وشفاعتهم -أي- شفاعتهم لنا عنده.
فما الفرق في الأفعال بين أفعال المشركين الأولين وبين أفعال القبوريين؟! الأفعال هي الأفعال، والعقائد هي العقائد، والتقربات هي هي!!