تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
80674 مشاهدة
توحيد الربوبية وحده لا يكفي

...............................................................................


وإذا اعترفوا بهذا النوع الذي هو توحيد الربوبية؛ فإنه يصير حجة عليهم في توحيد الألوهية. إذا اعتبرتم هذه المخلوقات خلق الله؛ فإن واجبا عليكم أن تؤمنوا بالله، وأن تجعلوه هو إلهكم ومعبودكم وربكم وحده، فلا تصرفوا شيئا لمعبوداتكم من حقه؛ بل أخلصوا له العبادة وادعوه وحده، فقد اعترفتم بأنه الذي خلقكم، والذي خلق السماوات والأرض، وأنه رب السماوات السبع، ورب العرش العظيم، وأنه الذي يجير ولا يجار عليه، وأنه الذي بيده ملكوت كل شيء، وأنه الذي يدبر الأمر، وأنه الذي سخر هذه المخلوقات، اعترفتم بذلك.. فلماذا تجحدون وحدانيته وتعبدون معه غيره؟! هكذا ذكر الله –تعالى- عن مثل المشركين الذين في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنهم يعترفون بذلك.
ويقول المؤلف: هذه مسألة عظيمة، جليلة مهمة.
يعني: معرفتك بأن الأولين يقرون بتوحيد الربوبية، مسألة عظيمة أن تعرف أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شاهدون بهذا كله، مقرون به، شاهدون بأن الله ربهم وخالقهم ومدبر الأمور، وأنه الذي خلق الخلق، وأنه الذي يدبر الأمر وسخر الشمس والقمر. وهذا لم يدخلهم في الإسلام؛ مع هذا كله ما دخلوا بذلك في الإسلام، ولا حرمت دماؤهم وأموالهم.
كانوا على هذا المعتقد الذي هو الإقرار بتوحيد الربوبية، وكانوا -أيضا- يخلصون في حالة الشدة؛ وإنما شركهم في حالة الرخاء، وكانوا -أيضا- عندهم بقايا من دين إبراهيم عندهم بقايا، فذكر -هنا- أنهم يتصدقون، ويحجون ويعتمرون ويتعبدون، ويتركون أشياء من المحرمات خوفا من الله -عز وجل- هذه العبادات يتقربون بها إلى الله، الصدقة يعتبرونها عبادة، يتصدقون، وذكروا في احتجاجهم على اليهود فقالوا: أخبرونا أينا خير أم محمد ؟ قالوا: ما أنتم وما محمد . فقالوا: نحن نكرم الضيف، ونحن نسقي الحاج، ونحن نصل الرحم، ونحمل الكَلَّ، ونحن نخدم وفود بيت الله، نحن نعمر بيت الله. أخذوا يمدحون أنفسهم، فقالوا: وما محمد ؟ قالوا: محمد قطع أرحامنا، وسفك دماءنا، وسب آلهتنا، وسفه أحلامنا، وسب آباءنا. فقالوا: أنتم خير من محمد أنزل الله فيهم قوله تعالى: وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا .
فالحاصل.. أن عند المشركين عبادات، فعندهم تعظيم البيت، يحترمون البيت، البيت الحرام يعظمونه ويحترمونه، هم أولا: عمروه بعدما انهدم مع طول الزمان، انهدم وبقي مدة طويلة وهو منهدم، ولم يجرءوا على عمارته؛ وسبب ذلك يقولون: كلما جاءوا إليه وإذا فيه حية كبيرة؛ فإذا قربوا منها اشرأبت ونفرت، فهابوها، وبقوا على ذلك، ثم أرسل الله إليها عقابا؛ فاختطفتها بمخالبها ورفعتها، فعند ذلك.. عمروا البيت، وفي ذلك يقول شاعرهم:
عجبت لمـا تصـوبت الـعـقـاب
إلى الثعبـان وهي لهـا اضطـراب
وقـد كـانت يكـون لهـا كشـيش
وأحيانـا يكـون لـهـا وثــاب
إذا قـمنـا إلـى التأسيـس شـدت
تهوبنـا البنــاء وقـد تهــاب
فلما أن خشينا الرجـز جــاءت
عقـاب تتلئـب لـهـا انصـبـاب
فضـمـتهـا إلـيهـا ثـم خـلـت
لنا البنيـان ليـس لـه حـجـاب
فقـمـنـا حـاشـدين إلـى بنـاء
لنـا منـه الـقـواعـد والـتراب
غداة نـرفع التـأسـيـس مـنـه
وليس عـلى مسـاوينـا ثيـاب
أعـز بـه المـليـك بنـي لــؤي
فليس لأصـلـه مـنهـم ذهــاب
. يفتخرون بأنهم الذين عمروا هذا البيت -بيت الله- يعرفون أنه -أيضا- عمره قبلهم إبراهيم وإسماعيل وأن فيه مقام إبراهيم وأنه حرام حرمه الله –تعالى- على لسان إبراهيم يعني: أظهر تحريمه؛ وإلا فإنه محرم من قبل؛ فلأجل ذلك لا يسفكون فيه دما، ويلقى فيه الرجل قاتل أبيه فلا يصيبه، يكون آمنا كما في قوله تعالى: وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا .
كانوا -أيضا- يطوفون به، وكان العرب يحترمون البيت؛ فلا يطوفون به في ثياب قد عصوا الله فيها، إذا جاءوا إلى البيت فإنهم يطوفون عراة، ويقولون: لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها. إما أن تعطيهم قريش ثيابا؛ وإلا يطوفون عراة.
هذا -أيضا- من احترامهم للبيت، فدل على أن عندهم بقايا من دين إبراهيم يطوفون بالبيت، ويطوفون بالصفا والمروة وكذلك أيضا يحجون؛ ولكن أهل مكة لا يخرجون من حدود الحرم ويسمون الحُمْس، يبقون في المزدلفة وبقية الحجاج يصلون إلى عرفة ثم يفيضون من عرفة إلى مزدلفة ثم يبيتون بمنى ويبقون فيها، ويرمون الجمار، فيطوفون بالبيت، يكثرون من التطوف بالبيت. هذه بقايا من العبادات.
وكانوا -أيضا- يتعبدون بعبادات كثيرة؛ بحيث إنهم يتعبدون بمثل سقي الحاج، السقاية كانت لبني عبد المطلب وكذلك الحجابة -حجابة البيت- يعني: من عندهم مفاتيح البيت وهم بنو عبد الدار فيجعلون ذلك -أيضا- عبادة، كذلك أيضا إكرام الحاج، إذا قدم الحجاج يكرمونهم، ويطعمونهم أنواع الأطعمة، وغير ذلك من عباداتهم؛ لكن الأصل أنهم يعبدون الله –تعالى- ويريدون أن تكون عبادتهم تنفعهم في الدنيا؛ لأنهم ما كانوا يؤمنون بالدار الآخرة، لما رأوا أن الميت يموت وأنه يذهب ترابا استبعدوا أن يحيا في الآخرة، واستبعدوا أن يكون هناك جزاء أخرويا؛ فلذلك كانت عباداتهم يرجون أجرها في الدنيا، يرجون أن يعجل الله لهم أجرها في الدنيا برزقهم وبكثرة أموالهم وأولادهم، وبما يفتح عليهم من النصر والتمكين، وما أشبه ذلك. فهذا أثر عباداتهم.
ولما كانت تلك العبادات لم تكن على التوحيد -كانوا يفسدونها بالشرك- لن تنفعهم؛ بل أخبر الله –تعالى- بأنها تصير هباء منثورا، قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا أي: مثل الدخان، أو مثل الغبار لا يمكن أن يتحصل منه على شيء، ولا على ملء اليد.
وأخبر -أيضا- بأنها لا حقيقة لها بقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا الإنسان إذا كان يسير في قفر، في فلاة قفر يخيل إليه من مكان بعيد أن هناك ماء، أن هناك مستنقع ماء؛ فإذا جاءه لم يجد فيه شيئا، فهكذا أعمال هؤلاء، وكذلك مثل أعمالهم بآية أخرى بقوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ إن اشتدت الريح في هذا الرماد في يوم عاصف شديد الرياح، هل يجمع منه شيء بعدما يتفرق؟ فهذه حاصل أعمالهم.