إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
80623 مشاهدة
حقيقة الشفاعة

...............................................................................


أما الشفاعة.. فإن الشفاعة إنما تكون في الآخرة الشفاعة الْمُثْبَتَة التي قال الله: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى و لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى فهذه الشفاعة تكون في الآخرة. قد ذكر الله تعالى لها شرطين في قوله: إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى الإذن والرضا شرطان لحصول الشفاعة، فعلى هذا لا يقال: إنه يمكن أن يشفعوا في الدنيا؛ بل الشفاعة لا تكون إلا في الآخرة.
ثم على هذا قد أخبر الله -تعالى- أنه هو الذي يَمْلِكُها في قوله تعالى: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا أي: هي ملكه، فإذا طلبناها فإننا نطلبها من الله، لا نطلبها من مخلوق. نقول: اللهم شفع فينا أنبياءك ورسلك، اللهم اقْبَلْ شفاعتهم فينا، اللهم اجعلنا ممن تناله شفاعة الشافعين.
أَمَّا أن نقول: يا نبي الله اشفع لنا، أو أنجنا، أو اجعلنا من الذين تشفع فيهم! فإن هذا لا يجوز؛ لأنه دعاء لغير الله. إذا قلت: يا نبي الله! أليس يا حرف نداء؟! فإذا قلته فقد دخلت في دعوة غير الله، قال الله تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ لأنهم أموات وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ينكرون، ويقولون مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ نحن في حال وأنتم في حال، نحن في شأن وأنتم في شأن، أنتم تدعوننا في الدنيا، وتطلبون منا أن نشفع لكم أو ننفعكم، نحن لا نملك شيئا، إنما الملك لله وحده لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ فكيف تُشْرِكُونَنَا مع الله؟! وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ أي: جاحدين ومنكرين.
فَدَلَّ على أن الشفاعة لله وحده، وأنها تُطْلَبُ من الله. فهؤلاء الذين يقولون: نريد الوجاهة، ونريد الشفاعة، نحن نعرف أن الله هو الخالق الرازق الْمُدَبِّرُ. أن هذا لا ينفعهم؛ بل إنهم أصبحوا مشركين بدعاء الأنبياء والصالحين وما أشبههم.
فإذا قالوا: إننا نعترف بأن الله هو الخالق الرازق؛ وإنما نتوسل بهؤلاء الصالحين، نطلب منهم الشفاعة عند الله؛ مع علمنا بأن الله -تعالى- هو الذي يخلق ويرزق.
فالجواب أن تقول: كلامك هذا مذهب أبي جهل الذي هو يُسَمَّى عمرو بن هشام واشتهر بأبي جهل وكنيته عندهم: أبو الحكم سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا جهل . هذه حجتهم هو وأمثاله من المشركين، ومن القبوريين كلهم، أن عبادتهم شرك.
يَدْعُون عيسى -يعني- كالنصارى، ويدعون عزيرا -يعني- كاليهود، ويدعون الملائكة، كمشركي العرب. المشركون من العرب يعبدون الملائكة، ويدعون الأولياء، كالذين يدعون اللات وغيره، فهم يدعون هؤلاء الأنبياء والملائكة والصالحين، ويدعون أشجارا وأحجارا ما أذنبت؛ بل هي مطيعة لله، ويسجدون لها ويعبدونها؛ وبذلك صاروا مشركين، يدعون هؤلاء.. ماذا يريدون؟ قال الله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ هذه شبهتهم هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ .
ذكر الله أنهم يعبدونهم، والدعاء -هنا- النداء. يعني: ينادونهم؛ ولكنهم يتذللون عند قبورهم، وعند ذِكْرِ أسمائهم، ويتواضعون لهم، ويتضرعون بين أيديهم، ويُخْبِتُون ويُنِيبون، فكأنهم أمام الرب تعالى! فيكونون بذلك قد عبدوهم؛ ولو لَمْ يسموا أفعالهم عبادة، يعبدون ما لا يضرهم ولا ينفعهم -يعني- كالغائبين والملائكة ونحوهم لا تضر ولا تنفع.
وكذلك ما ينحتونه من الأصنام التي ينحتونها على هياكل أولياء، أو نحوهم، يصورون صورة على صورة السيد فلان، من خشب، أو من حجارة، فينصبونها، ثم مع ذلك يدعونها، ويتمسحون بها، ويتبركون. أخبر الله -تعالى- بأنهم لا ينتفعون بذلك، ولا يضرهم خلقها، ولا يضرهم فعل ذلك، وأن هؤلاء المدعويين لا يملكون نفعا ولا ضرا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا و لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا فلا يستطيعون لِعَبَدَتِهِمْ نصرا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ لا يَنْصُرُ نفسه، ولا ينصر غيره!
ولهذا.. لما أسلم أهل الطائف أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- مَنْ يَكْسِرُ صنمهم الذي هو اللات، وكان على قبر رجل صالح كان يَلُتُّ السويق للحاجِّ، فلما جاء ليكسرها ظنوا أنَّ مَنْ كسرها أصيب بجنون، أنها تصيبه بخبال، أو بِسَلْبِ عقل، أو تميته، فكان ذلك قد ارتسم في أذهانهم، فصاروا ينظرون، لما جاء المغيرة بن شعبة ومعه عُمَّال يكسرونها، كِسْرة.. كِسْرة.. والناس ينظرون إليهم، فلما انتهى من ذلك ظنوا أنه لا يُصْبِحُ حيا! أصبح سليما ليس به بأس، فعرفوا بأنها لا تنفع ولا تضر، لا نَفَعَتْهُم ولا ضرت من حَطَّمَهَا؛ ومع ذلك يقولون: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ نرجو شفاعتهم. الشفاعة: الوساطة، يعني: يتوسطون لنا عند الله، ندعوهم وهم يدعون لنا الله، نستنصر بهم، وهم يستنصرون الله لنا، لينصرنا، فننتصر على أعدائنا في القتال.
وكذلك أيضا نحصل على رزق، على مال، وعلى أرزاق يأتي بها الله، يعترفون بأن الله -تعالى- هو الرازق -كما تقدم- قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ فدل على أنهم إنما يرجون الشفاعة، يعني: وساطتهم. وإذا قلت: إنهم لا يؤمنون بالبعث، فكيف يقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله؟! أقول: إنهم يعترفون بأن الله هو الخالق الرازق الْمُدَبِّرُ، ويعترفون أن الرزق والملك بيده؛ ولكن يقولون: يشفعون لنا حتى ينصرنا في القتال، يشفعون لنا حتى يغيثنا عند الجهاد، يشفعون لنا حتى يشفى مرضانا، يشفعون لنا حتى تطيب أحوالنا، وحتى تكثر أموالنا، وهم يرجون شفاعتهم؛ حتى يحصل لهم مصلحة دنيوية. هذا معتقدهم.
ومثل هذه الآية.. قوله تعالى عنهم في سورة الزُّمَر: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى اتخذوا أولياء -يعني- من السادة، أو من القادة، أو من الأنبياء، وجعلوهم أولياء لهم من دون الله. ثم قالوا: ما نعبدهم ونتقرب إليهم إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى هم مُقَرَّبُون عند الله، ونحن بعيدون، فيأخذون بأيدينا، ويقربوننا إلى الله زلفى!.
وإذا كان كذلك.. فهذا هو قول القبوريين في هذه الأزمنة!؛ فإنهم يقولون: إن هؤلاء الأولياء مُقَرَّبُون عند الله، يعني: هؤلاء السادة! السادة عندهم هم: أقارب النبي -صلى الله عليه وسلم- في نظرهم أنهم من ذُرِّيَّة الحسن أو الحسين.
كل من كان من هذا النسب يُسَمُّونه شريفا، ويسمون أفرادهم سادة، ثم يَدَّعُون أن لهم وجاهةً لمكانتهم، إما أنهم اكتسبوا هذه الوجاهة لِقَرَابتهم من النبي -صلى الله عليه وسلم- وإمَّا أنهم يَدْعُون الله لنا، وإما أنهم يطلبون من النبي -صلى الله عليه وسلم- بصفتهم من قرابته أن يشفع لنا، وأن ينفعنا، فالجميع يطلبون منهم، ويَدَّعُون أنهم يطلبون من الله! فهذا هو معتقدهم.
فنقول لهم مثل ما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأولئك المشركين في هذه الآية: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ أتخبرون الله بشيء يخفى عليه؟! الله تعالى أعلم منكم، أعلم منكم وأعلم من الأولياء هؤلاء، أعلم بأحوالكم، أتريدون أن الله يَخْفَى عليه شيء من أحوالكم؟! أَتُنَبِّئُونَ يعني: أتخبرون. تخبرون الله بشيء لا يعلمه في السماء والأرض سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ وكذلك قوله: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى هذه مقالتهم.
فَيُقَال لهم -أيضا- إنهم لا يملكون هذا التقريب إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ نقول لهؤلاء -أيضا- اطلبوا الله تعالى مباشرة؛ فإنه قريب، تَذَكَّرُوا قول الله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ الله -تعالى- يسمعكم، يسمع دعاءكم، ويعلم سِرَّكُمْ ونجواكم، فلا يجوز لكم أن تدعوا غيره، وتعدلوا إلى غيره، فليس بحاجة إلى أن يُدْعَى معه غيره. ولا شَكَّ أنكم إذا دعوتم هؤلاء فقد عظَّمْتُمُوهم، وإذا عظمتموهم فقد صَيَّرْتُمُوهم آلهة؛ ولو سميتموهم ما سميتموهم! فهم في الحقيقة آلهة؛ لأن قلوبكم تَأْلَهُهُمْ، فتكونون بذلك قد نَقَضْتُم ونقصتم معنى: لا إله إلا الله، وجعلتم هؤلاء السادة والقادة آلهة عند الله.
هكذا يكون الجواب. وتتمته نقرؤه غدا -إن شاء الله-.