إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) logo الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
shape
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
180737 مشاهدة print word pdf
line-top
الحج وتحقيق التوحيد

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، نذكركم بنعم الله تعالى بفضائله على عباده.
وإن من أكبر نعمه أن هدانا للإسلام؛ أن جعلنا مسلمين، فقد حرمت أمم كثيرة هذه النعمة التي هي نعمة الهداية، ونعمة الإسلام، واختاروا أديانا أخرى غير دين الإسلام، وهدى الله هذه الأمة الإسلامية، وأنعم عليهم بهذه النعمة، وأنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة وهو واقف بعرفة قول الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا .
أخبر بأنه أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة وأن من أتم وأعظم النعمة أن رضي لنا الإسلام دينا؛ فعلينا عباد الله أن نحقق هذه النعمة التي هي الإسلام الحقيقي؛ وذلك لأن كثيرا ممن ينتمون إلى الإسلام لم يحققوا الإسلام الذي هو الإذعان والانقياد لأوامر ربهم سبحانه وتعالى.
نذكركم أيضا بنعمة ثانية: وهي نعمة التوحيد الذي هو إخلاص العبادة لله تعالى، فإن أعظم ما أمر الله به التوحيد، وهو إفراد الله بالعبادة، وأعظم ما نهى عنه الشرك، وهو دعوة غير الله معه ونعوذ بالله.
فمن وفقه الله تعالى وحقق هذا التوحيد أخلص العبادة لله عز وجل؛ فهو ممن تمت عليه النعمة، وأما من أشرك بالله أو عظم مخلوقا جمادا أو حيا بشيء من بأنواع التعظيم التي لا تصلح إلا لله؛ فإنه قد أحبط عمله، وقد أفسد أعماله وأفسد إسلامه.
ولعلنا أن نذكر بعض الأمثلة على ذلك الذي هو حقيقة التوحيد، وما يضاد ذلك من الشرك، فنتذكر أن عباداتنا التي تعبدنا بها أنها لله سبحانه وتعالى.
فالإحرام عبادة لله تعالى؛ ولهذا المسلم المحرم يتجرد عن لباسه المعتاد تذللا وعبودية وخضوعا لله سبحانه وتعالى، والطواف بالبيت عبادة لله سبحانه وتعالى؛ بمعنى أن الإنسان إذا كان في الطواف يكون خاشعا لربه وخاضعا له ومعظما له؛ ولهذا يجتهد في الذكر ويجتهد في الدعاء أو في قراءة القرآن -عبادات قولية، وكذلك أيضا يخشع ويخضع ويتواضع لربه سبحانه وتعالى عبادات فعلية.
كذلك أيضا بقية أعمال المناسك كلها عبادات، الوقوف بعرفة خضوع لله سبحانه وتعالى، والمبيت بمزدلفة وذكر الله هناك امتثالا لقوله تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ هذا أيضا عبادة؛ يعني كونهم يبقون في ذلك المكان لأن ذلك من تعظيم حرمات الله التي أمر الله بتعظيمها احتراما لله وتواضعا لله في قوله تعالى وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ ؛ يعني محارم الله ومشاعر الله وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ ؛ يعني الأماكن التي جعلها الله تعالى شرائع وشعائر لعباده كقوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ .
فالطواف بالبيت تعظيم لشعائر الله، والسعي بين الصفا والمروة تعظيم لشعائر الله، ورمي الجمار تعظيم لشعائر الله، كل ذلك امتثال لأمر الله، فكل ذلك نعتبره طاعة وعبادة.
وإذا عرفنا أن هذه الذي تفردنا بها أنها عبادات لربنا سبحانه وتعالى، نعرف أن هناك من أفسد عباداته بنوع من الشرك سواء شركا قوليا، أو شركا فعليا، وننزهكم إن شاء الله عن مثل هذه الشركيات، ولكن نذكركم بها حتى تكونوا على حذر وحتى تعلموا خطر أولئك الذين يفعلونها، أنهم قد وقعوا في الشرك.

line-bottom