القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
88280 مشاهدة
أقوال التابعين هل تكون حجة في التفسير

ثم نقل عن شعبة بن حجاج رحمه الله وغيره أنهم قالوا: أقوال التابعين في الفروع ليست حجة ؛ فكيف تكون حجة في التفسير؟!، الفروع؛ يعني فروع المسائل؛ يعني الأحكام: كالصلاة والحج والبيع والربا والنكاح ونحو ذلك، ولعل ذلك خاص بما إذا حصل بينهم اختلاف في تلك الأقوال فلا تكون حجة؛ وذلك أن اختلافهم دليل على أن هذه المسألة اجتهادية.
يحصل بينهم اختلاف كثير في وجوه الإعراب، ويحصل بينهم أيضا اختلاف في كثير من الأحكام التي تحتاج إلى فتوى في حكم من الأحكام. فيقول شعبة ليست دليلا قطعيا إذا كانت اجتهادية. فإذا كانت الفروع اجتهادية فكذلك في التفسير، يعني: أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح. يعني لا تُقدم على غيرهم إذا خالفهم ولو أن الذي خالفهم ممن بعدهم، إذا عرف بأنها اجتهادية ليست متلقاة عن الصحابة. فإذا قام الدليل على أنها متلقاة عن الصحابة، والصحابة هم الذين تلقوا التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم كانت حجة على من بعدهم.
يقول: وهذا صحيح أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يُرْتَاب في كونه حجة، إذا اتفقت أقوال التابعين على قول بمعنى آية من القرآن فإنها تكون حجة؛ وذلك أن اتفاقهم دليل على أنهم تلقوا ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم.
ثم قد تكون أقوالهم ظنية لا يحتج بها ولو كثرت، ويمثلون بمسألة الغرانيق. قصة الغرانيق التي ذكرها المفسرون عند تفسير قوله تعالى في سورة الحج : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ وقصة الغرانيق مشهورة؛ ولكن رواياتها كلها مرسلة ليس فيها حديث مرفوع متحقق أنه مرفوع؛ فلا يحتج بها؛ ولذلك ردها كثير من المحققين، ولو أن بعض المفسرين كابن جرير أقروها لكثرة من رواها من التابعين، فالصحيح أنها ليست حجة، وما ذاك إلا أنه لا يحتج إلا بما ثبت الدليل به قطعيا، والأمثلة كثيرة.