لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
88238 مشاهدة
أفضل ما يكون في حكاية الخلاف عن بني إسرائيل

يقول: فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف ؛ أن تستوعب الأقوال. يعني تسرد الأقوال كلها في ذلك المقام، ثم ينبه على الصحيح منها، ويبطل الباطل، يبين بطلان الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ فيقال: ثمرة الخلاف كذا وكذا؛ لئلا يطول النزاع والاختلاف فيما لا فائدة تحته؛ فيشتغل به عن الأهم؛ وذلك لأن الذين يحكون أقوالا لا طائل تحتها يشغلون الناس بما لا فائدة فيه؛ فالأولى إذا كان هناك أقوال أن تذكر الأقوال، ثم بعد ذلك يبين الصحيح منها؛ ليكون الذي يختار قولا يقتصر على القول الصحيح.
وكذلك يحكي كثير من العلماء، منهم ابن الجوزي في تفسيره المشهور، فإنه يذكر في كل آية عددا من الأقوال؛ ولكنه مع ذلك لا يرجح؛ فيقول: فيها ثلاثة أقوال؛ الأول كذا، والثاني كذا، والثالث كذا، فيها قولان، فيها خمسة أقوال. والأولى أنه إذا ذكر الأقوال يرجح ما يختاره، وإن كان ترجيحه قد يكون مرجوحا.
يقول: فأما من حكى خلافا في مسألة، ولم يستوعب أقوال الناس فيها؛ فهو ناقص. يأتي ببعض الأقوال دون بعض، فهذا ناقص تفسيره وحكايته، وقد يكون الصواب هو القول الذي تركه. يعني قد يكون القول الذي تركه هو القول الذي أولى بالصواب.
أو يحكي الخلاف ويتركه، يحكي في المسألة قولين أو ثلاثة، ولا يبين ما هو الأرجح، يطلق الخلاف ولا ينبه على الصحيح من الأقوال؛ فهذا أيضا ناقص، فإذا فتح الله تعالى عليه وترجح عنده أحد الأقوال؛ فإن عليه أن يبين ما ترجح عنده، وأما إذا لم يترجح عنده شيء؛ فله أن يطلق ذلك، ويقول: الله أعلم. إذا لم يترجح عنده شيء يقول: هذه أقوال ويمكن أن يكون القول الصواب فيها، ويمكن أن تكون كلها صوابا.