إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
88259 مشاهدة
بيان أن التفسير الغالب عليه المراسيل

ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي والملاحم، يعني أكثر ما نقل في التفسير مثل ما نقل في المغازي، المغازي كتب فيها العلماء كثيرا، وكذلك الفتن والملاحم يقول الإمام أحمد ثلاثة أمور ليس لها إسناد: التفسير والملاحم والمغازي يعني أن أكثر الناس يروونها بدون إسناد، أما التفسير ففيه كثير روي بالأسانيد ولكن غالبه موقوف، فمثلا ابن جرير يرويها بالأسانيد وابن أبي حاتم يروي أثرا ثم يقول: وروي عن فلان وفلان وفلان مثل ذلك، كذلك أيضا المغازي كتب فيها علماء كمحمد بن إسحاق صاحب السيرة وكذلك موسى بن عقبة وغيرهم ممن كتبوا في المغازي وفي السيرة النبوية، في الغالب أن أكثرها نقل قد لا يتثبتون من الأحاديث فيأخذونها من أفواه الرجال، دون أن يقول ذلك الذي حدث بها: إني سمعته من فلان، فيذكرون المغازي والفتوحات؛ المغازي التي جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- والفتوحات التي في عهد الخلفاء الراشدين كفتح الشام وفتح العراق وفتح مصر وفتح اليمن وفتح المغرب والمشرق، غالبا أنها ليس لها أسانيد وإنما تروى بالنقل، فيقول الكاتب: حدث كذا وكذا اجتمع من القوم كذا وغزوا إلى كذا وأشباه ذلك.
كذلك الملاحم وهي الفتن التي وقعت بين الصحابة كالقتال الذي حدث في قصة قتل عثمان ووقعة الجمل ووقعة صفين ثم القتال الذي حصل في عهد ابن الزبير حتى قُتِلَ ثم وقعة الحرة وما أشبه ذلك، فالغالب أنها ليس لها أسانيد وإنما تروى بالتناقل بالنقل، ولا يزال الناس إلى الآن الملاحم وكذلك الوقائع والتاريخ إنما يعتمدون فيه على نقل واحد عن واحد.
يقول: ليس لها أي أصل أي ليس لها إسناد، الغالب عليها المراسيل، مثل ما يذكره عروة بن الزبير الذي يذكر كثيرا من الوقائع الشعبي عامر بن شراحيل من حفاظ التابعين والزهري محمد بن مسلم بن شهاب وموسى بن عقبة صاحب السيرة ومحمد بن إسحاق صاحب السيرة ومن بعدهم كيحيى بن سعيد الأموي والوليد بن مسلم والواقدي ونحوهم في المغازي إلا أن الواقدي واسمه محمد بن عمر غير ثقة يروي عنه كثيرون كمحمد بن سعد في الطبقات يعتمده في كثير من التراجم ولكن ضعفه في الحديث وضعفه في النقل وله كتاب مطبوع اسمه المغازي، وفيه قصص عجيبة طويلة يتعجب من وقوعها، يغلب أن فيها شيئا من المبالغة، ولو أنه يقول في أثناء بعضها: إننا نتحرى إننا نعتمد الصدق إننا نقول كذا وكذا، ولكن وقع فيها مبالغات تدل على أن فيها ما هو كذب.