إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
88300 مشاهدة
حكاية الخلاف عن علماء بني إسرائيل

ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز. يعني يجوز نقل الخلاف؛ قال فلان: كذا، وقال فلان: كذا، وسواء كان خلافا للسلف أو عن الإسرائيليات، يجوز نقل الخلاف عنهم؛ لأن الله تعالى نقل بعض الخلاف قال تعالى: سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا فذكر الله تعالى هذا الخلاف.
واشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام؛ يعني: وهي قوله تعالى: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ وقوله: فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا ؛ أي: لا تستفت وتطلب فتوى، وكل الأمر إلى الله، وقل: الله أعلم، عدتهم يعلمها الله ولا يعلمها إلا قليل، وفيها تعليل ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال ضعف القولين الأولين الذين قالوا: ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ والذين قالوا: خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رفع فنفى ذلك بقوله: رَجْمًا بِالْغَيْبِ وسكت عن الثالث فدل على صحته.
هكذا قال بعضهم: إنه لما لم يضعف الثالث أنهم سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ؛ دل على أنه القول الصحيح؛ إذ لو كان باطلا لرده؛ كما رد القولين قبله. وآخرون قالوا: إن قوله: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ؛ دليل على أنهم لا يعلم عدتهم إلا الله. وليس هذا العدد مطابقا؛ يعني أنهم سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ .
أرشد الله إلى أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس؛ هم الذين أطلعهم الله عليه فلهذا قال: فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ ؛ أي لا تجادل فيهم إلا مراء ظاهرا أي مما ظهر لك، لا تجهد نفسك بما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك؛ فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب، فلا تتطاول معهم.