إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
88288 مشاهدة
حكم رواية الإسرائيليات وبيان من اشتهر بروايتها

وما لم يكن كذلك فكان مما يؤخذ عن أهل الكتاب كالمنقول عن كعب ووهب ومحمد بن إسحاق وغيرهم ممن يأخذ عن أهل الكتاب، فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة، وذلك أن كعب الأحبار يثق به كثير من السلف وينقلون عنه أخبارا غير صحيحة تسمى الإسرائيليات، وكذلك وهب بن منبه وهو أيضا عنده كتب من كتب بني إسرائيل وقد أكثر بعض المفسرين من النقل عنه، منهم ابن جرير نقل عنهما كثيرا في كثير من المواضع، وكذلك البغوي فتجدون في تفسير قوله تعالى: وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ روايات كثيرة، ابن كثير رحمه الله أعرض عنها وروى فيها حديثا مرفوعا، وحقق أنه أيضا ليس بمرفوع؛ لأنه رواه عن ابن عمر مولاه نافع وجعله مرفوعا إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- ورواه عنه ابنه سالم وجعله منقولا عن كعب ثم قال ابن كثير سالم أحفظ لحديث أبيه من نافع فتبين أن الحديث المرفوع لم يثبت.
كذلك أوردوا عند تفسير قوله تعالى: وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ حكايات كثيرة في صفة قتل جالوت وكيف قتله داود حكاية يشهد العقل الصريح بكذبها، وكذلك أوردوا في قصة أيوب في سورة الأنبياء في قوله وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ حكايات كثيرة يعلم أنها لا أصل لها، وكذلك أوردوا في قصة داود في قوله: إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ إلى آخر حكايات أيضا كثيرة كلها من الإسرائيليات، وأشباه ذلك كثير.
فمثل هذه الإسرائيليات التي عن كعب ووهب وكذلك عن محمد بن إسحاق صاحب السيرة، وكان أيضا عنده بعض الكتب التي نسخها من كتب بني إسرائيل، وغيره ممن يأخذون عن أهل الكتاب هذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه فقولوا مثل ما قال الله قال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ هذا إيمان مجمل، آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مثل الإيمان المجمل في قوله تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ إيمانا مجملا، ما كان فيه من حق فإنا نقبله وإن كان في غير شرعنا نؤمن به إيمانا مطلقا ويكفينا العمل بما في شرعنا، وكذلك ما نقل عن بعض التابعين وإن لم يذكر أنه أخذه عن أهل الكتاب، وكذلك من التابعين أيضا ينقلون عن أهل الكتاب ينقلون عن كعب وعن وهب وعن كتب أخذوها أيضا استنسخوها من كتب بني إسرائيل.