الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
88410 مشاهدة
أمثلة على ما لا يمكن التثبت من صحته من التفسير بالمنقول

وأما ما لا فائدة فيه -ما لا يفيد- ولا دليل على الصحة على الصحيح منه فمثل اختلافهم في لون كلب أصحاب الكهف، ما الفائدة من ذلك هل هو أحمر أو أسود أو أبيض، لا فائدة إنما ذكر الله كلبهم باسطا ذراعيه، ومثل البعض الذي ضرب به موسى من البقرة في قوله تعالى: فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا قال بعضهم: إنه ذنبها وقال بعضهم: إنه يدها وقال بعضهم إنه قلبها وقال بعضهم قطعة من فخذها، هذا من المجمل ولا فائدة في تعيين بعضها كما قال الله، وكذلك البحث فيه أيضا تكلف.
قالوا: إن التكلف في الشيء الذي لا فائدة فيه يعتبر من فضول الكلام، قال بعضهم: إن قوم موسى تكلفوا وتشددوا فشدد عليهم لما قال لهم: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً كلمة بقرة مطلق، فلو ذبحوا أدنى واحدة لأجزأت، ولكنهم تشددوا فقالوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا يقولون: لو ذبحوا أدنى بقرة لأجزأت، فالتكلف والسؤال يوقعهم في الشدة.
ومثل ذلك أيضا الإطلاقات التي تأتي في الشرع، مثاله لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب عليكم الحج فحجوا تكلف الأقرع فقال: أفي كل عام؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما استطعتم وقال: ذروني ما تركتكم يعني إذا أطلقت لكم القول فلا تتكلفوا، وكتب عليكم الحج، كلمة الحج يعني كتب عليكم حجة واحدة، وكذلك اختلفوا في مقدار سفينة نوح وما كان خشبها، قال بعضهم: طولها كذا وقال بعضهم: وارتفاعها كذا، وقال بعضهم: خشبها من كذا، لا فائدة في ذلك.
وكذلك اختلفوا في اسم الغلام الذي قتله الخضر أي لا فائدة أيضا فيه كما قال الله لَقِيَا غُلَامًا فلم يذكر اسمه ولا مقدار سنه، فهذه الأمور طريق العلم بها النقل، ما كان منها منقولا نقلا صحيحا عن النبي- صلى الله عليه وسلم- كاسم صاحب موسى أنه الخضر فهذا معلوم، يعني الشيء الذي ثبت به النقل هذا يقبل ويعلم كاسم صاحب موسى في قوله تعالى: فَوَجَدَا عَبْدًا يعني ما قال له موسى لما قال: السلام عليكم، قال: وأنى بأرضك السلام؟ فقال للخضر أنا موسى قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال جئتك لأتعلم منك، قال: يا موسى إنك على علم من الله لا أعلمه وأنا على علم من الله لا تعلمه، قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا في الحديث تسمي فوجدا خضرا .