إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
88275 مشاهدة
الكلام عن اختلاف أقوال التابعين

فمتى اختلف التابعون لم يكن بعض أقوالهم حجة على بعض ، إذا اختلفوا في تفسير آية فلا يقال الدليل مع فلان أو الصواب قول فلان إلا بحجة، وما نقل في ذلك عن بعض الصحابة نقلا صحيحا فالنفس إليه أسكن، وذلك أنه قد ينقل عن الصحابة في هذه الأخبار بعض الأشياء والنفس أسكن إلى ذلك، فيقرب أنه أصح، أسكن مما نقل عن بعض التابعين؛ لأن احتمال أن يكون سمعه من النبي- صلى الله عليه وسلم- .. مما سمعه منه أقوى، لكن يمكن أو يحتمل فكثيرا ما ينقل عن بعض الصحابة حديث مرفوع ثم ينقل عن صحابي آخر موقوفا، فيتبين أن هذا الموقوف له حكم المرفوع؛ لأنه جاء مرفوعا من طريق أخرى.
نقل الصحابة عن أهل الكتاب أقل من نقل التابعين، وإن كان قد يوجد أن بعض الصحابة ينقل عنهم، ولكن ذلك أقل من نقل التابعين إذا جزم الصحابي فيما يقوله فكيف يقال إنه أخذه عن أهل الكتاب؟ مع أنهم قيل لهم لا تصدقوهم، فإذا جاء الأثر أو التفسير مرفوعا عن الصحابي أو مجزوما به وإن لم .. قبلناه؛ لأنهم قد نهو عن أخذهم من أهل الكتاب، يقول المقصود بأن مثل هذا الاختلاف الذي لا يعلم صحيحه ولا تفيد حكاية الأقوال فيه كالمعرفة بما يروى من الحديث الذي لا دليل على صحته وأمثال ذلك.
المقصود أن مثل هذا الاختلاف الذي لا يعلم صحيحه ولا تفيد حكايته الأقوال فيه هو كالمعرفة بما يروى من الأحاديث التي لا دليل على صحتها، يعني الاختلاف الذي يروى عن الصحابة في التفسير وكالاختلاف في الأحاديث التي لا يتأكد من صحة الحديث ولا من ضعفه يعني كثيرا ما يأتي حديث يروى بأسانيد ضعيفة مع كونه مرفوعا، فهل نجزم بصحته؟ يقول الناظم الذي هو العراقي
وللصحـيح والضعيـف قصــدوا
فـي ظـاهر لا قطـع والمعتمـد
إمساكنا عـن حكمنـا على سـند
بأنـه أصــح مطلقــا وقــد
خـاض بـه قـوم فقيـل مـالك
عن نافــع فيمـا رواه الناسـك
فيقول: إننا إذا قلنا: هذا الحديث صحيح، فإنما ذلك في الظاهر وقد يكون ضعيفا في الباطن ونحن لا نأخذ إلا ما وجدنا ظاهرا، وإذا قلنا هذا الحديث ضعيف فإن ذلك في الظاهر فقد يكون صحيحا في باطن الأمر.