إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
شرح كتاب الآجرومية
96962 مشاهدة
لا النافية للجنس

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المؤلف -رحمه الله تعالى- باب لا: اعلم أن (( لا )) تنصب النكرات بغير تنوين إذا باشرت النكرة ولم تتكرر (( لا ))؛ نحو: (( لا رجل في الدار )). فإن لم تباشرها وجب الرفع ووجب تكرار (( لا )) نحو: (( لا في الدار رجل ولا امرأة)). وإن تكررت لا جاز إعمالها وإلغاؤها فإن شئت قلت: (( لا رجلَ في الدار ولا امرأة ))، وإن شئت قلت: (( لا رجلٌ في الدار ولا امرأة )).


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد .
هذا حرف نفي كلمة لا يؤتى بها للنفي، وتسمى حرف نفي بالمنفي. ذكر أنها ملحقة بالنواسخ. النواسخ تقدم أن منها إنَّ التي تنصب المبتدأ وترفع الخبر؛ فتكون لا قريبة من النواسخ؛ أنها تنصب المبتدأ وترفع الخبر. إذا كان المبتدأ منكرا؛ نحو: لا رجلَ قائمٌ، مثل: إنَّ الرجلَ قائمُ. ولكن يحتاج إلى تكملة. فإذا باشرت النكرة فإنها تنصب. النكرة هو الاسم الشائع الذي يصلح لأكثر من واحد؛ مثل: رجل نكرة. فإذا دخلت عليه الألف واللام أصبح معرفة الرجل. وأما أسماء الأعلام فإنها لا تسمى نكرات؛ مثل: خالد وسعيد، لا يقال لها: نكرات؛ لأنها أسماء لأناس معينين فهي أعلام؛ فلذلك قالوا: لا رجلَ في الدار؛ هذا منصوب بـلا؛ لأنها باشرته. المباشرة معناه أنه يلي الحرفَ؛ الاسمُ المنكر يقع بعد لا فتنصبه، ولكن لا ينون. وإذا كان غير معين جاز نصبه فيقولون مثلا: لا طالعا جبلا أي: لا أحد يطلعه، فهاهنا نُوِّن: لا طالعًا جبلا. وأما إذا لم تباشر لا؛ إذا لم تباشر الاسم بل كان بينها وبينه فاصل فإنه يكون مرفوعا: لا في الدار رجلٌ ولا امرأة، لا في الدار أحدٌ.
وأما إذا تكررت لا؛ فإنه يجوز إعمالها ويجوز إلغاؤها. وقد وردت الأدلة في القرآن على ذلك. فمن النصب قول الله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فهذه كلها معملة؛ عملت فيها لا فنصبتها. فتقول هذه منفية، لا النافية نصبت هذه الكلمات. لماذا؟ لأنها تكررت. وإذا تكررت لا جاز النصب وجاز عدمه. عدم النصب هو الرفع. ورد في القرآن في مثل قوله تعالى: فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ لم يقل لا خوف َ, فلا خوفٌ. لماذا؟ لأنها تكررت. ومثله قوله تعالى: لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ وأما إذا لم تباشرها؛ فإنه مرفوع بكل حال؛ مثل قوله تعالى: لَا فِيهَا غَوْلٌ أي رفعت هاهنا؛ لا فيها غولٌ. فالحاصل أن لا إن كان الاسم الذي بعدها واحد لم يتكرر؛ فإنه يكون منصوبا؛ هذا إذا كان نكرة.
وأما إذا كان معرفة فإنه يرفع. إذا قلت مثلا: لا زيدٌ في الدار. زيد معرفة لأنه مسمى. وأما إذا قلت: لا رجلَ في الدار؛ فإنه يلزم نصبه؛ لا رجلَ. وأما إذا كررت لا؛ فإما أن تباشر الكلمة، وإما أن يكون بينها وبينه فاصل. فإن باشرتها فإنه يجوز فيها الأمران؛ يجوز النصب فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ ويجوز الرفع لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ وأما إذا لم تباشرها؛ بل فصل بين الحرف وبين الاسم بفاصل؛ فليس فيه إلا الرفع لا في الدار رجلٌ ولا امرأةٌ. إذا تكررت وفصل بينها فاصل؛ لا في الدار رجلٌ ولا امرأةٌ. وأما إذا كان منكرًا؛ المحكي عنه فإنه يجوز نصبه؛ فيقولون: لا طالعا جبلا، أو يقولون مثلا: لا حاضرًا زيد . وبهذا يعرف أنها تعمل عمل إنَّ. ولذلك يقول ابن مالك:
عمـل إنَّ اجعل لـ لا في نكـرة
مـفـردة جـاءتـك أو مـكـررة
أي اجعل عمل إنَّ لها سواء كانت مفردة لا رجلَ قائم، أو مكررة لا رجلٌ أو لا زيدٌ في الدار ولا عمرو ، لا زيدًا حاضر ولا عمرا ، فبكل حال فالأصل أنها إنما تعمل في النكرة، ولا تعمل في المعرفة، هذا عمل النصب.
وعرفنا أنها حرف نفي، أنه يقصد بها النفي؛ وتسمى النافية للجنس. نافية لجنس ذلك الذي دخلت عليه. إذا قيل: لا رجلَ في الدار؛ نفت الرجال أي تنفي وجود رجل. وإذا قيل مثلا: لا طالبَ حق نفت من يطلب الحق ولم تنف غيره. وإذا قيل مثلا: لا حقَ لك في هذا المال نفت الحق. وإذا قلت مثلا: لا صلاةَ إلا بطهور نفت جنس الصلاة. ومثله الحديث لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ؛ نفي جنس الصلاة. وكذلك قوله: لا صلاة بحضرة طعام ؛ نفي لجنس الصلاة. وكذلك قوله: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله لا صلاة إلا بوضوء ؛ نفي لجنس الصلاة بغير وضوء. هذا ما تدل عليه هذه الكلمة.