الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
شرح كتاب الآجرومية
96989 مشاهدة
الخامس: التمييز

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب التمييز. التمييز: هو الاسم المنصوب المُفَسِّر لما انبهم من الذوات، نحو قولك: تصبب زيد عرقًا، وتفقأ بكر شحمًا، وطاب محمد نفسًا، واشتريت عشرين غلامًا، وملكت تسعين نعجةً، وزيد أكرم منك أبًا، وأجمل منك وجهًا، ولا يكون إلا نكرة، ولا يكون إلا بعد تمام الكلام.


بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. ذكر النحويون من جملة منصوبات الأسماء: ما يُنْصَب للتمييز، وسموه بهذا الاسم؛ لأنه يميز الكلام المنبهم، ويحصل به فهم ما كان مجملا، وذكروا أيضا أنه من الفضلات؛ أي مما يُسْتَغْنَى عنه، ويتم الكلام بدونه؛ فإنه إذا قال مثلا: طاب زيد. فالكلام كامل؛ فعلا وفاعلا، فقوله بعد ذلك: نفسًا. يعتبر توضيحا؛ فسموه بالتمييز.
وعرفوه بأنه اسم؛ وذلك لأنه تدخله علامات الاسم حيث إنه منون، وأنه لو أفرد دخلت عليه حروف الجر، وحروف التعريف، وذكروا حكمه: وهو أنه منصوب، حكمه أنه منصوب دائمًا، وأنه مفسر لما انبهم من الذوات. انبهم: يعني خفي وصار مبهما، مفسر لما خفي ولمن صار مبهما من الذوات، والذوات يراد بها: حقائق الأشياء، ذات الشيء: يعني حقيقته، وضرب له هذه الأمثلة، فمَثَّلَ بقولهم: تصبب زيد عرقا، إذا قلت: تصبب زيد، فقد يُفْهَم، ولكن إذا ميزت وقلت: عرقا وضحت ما تصبب منه، فقد يحتمل إذا قلت: تصبب زيد، يحتمل أنه تصبب منه ماء بعد أن توضأ، أو تصبب منه دمع إذا بكى مثلا، أو تصبب لعاب من فمه، فإذا قلت: تصبب زيد عرقا، تقول في كلمة عرقا منصوبة على أنها تمييز للكلام المنبهم.
ومثله قولهم: تفقأ زيد شحما، ويضرب مثلا أيضا لما كثر لحمه وشحمه، وتقول مثلا: هذا الكبش حري أن يتفقأ شحما -إذا كان سمينا- فكلمة شحما منصوبة على أنها تمييز، مميزة للكلام المنبهم. كذلك قولهم: طاب محمد نفسا كلمة نفسا أيضا جعلت تمييزا لما كان منبهما، وقد يؤتى بها مُعرَّفة ولذلك يقول في الألفية:
كذا وطبت النفس يا قيس السري
..................................
لمَّا ضمَّن ذلك بعض بيت قاله بعض العرب بقوله:
رأيتك لما أن عرفت وجوهنا
صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو
المعنى: طبت نفسا. فتعريفها هذا خلاف الأصل؛ فالأصل أن التمييز يكون نكرة وأن تعريفه يعتبر شاذا؛ فطبت نفسا يعني: طابت نفسك. فالأصل أن النفس هاهنا فاعل، ولكن لما وجد الفاعل طاب محمد؛ هذا الفاعل احتيج إلى أن يبين بماذا طاب فقيل طاب محمد نفسا. نفسا نكرة؛ جعلوها تميبزا.
كذلك قولهم: اشتريت عشرين غلاما؛ هذا أيضا تمييز. لأن كلمة اشتريت عشرين كلام مبهم، فيحتاج إلى بيان ماذا اشتريت؟ هذه العشرون ما هي؟ فإذا ميزتها بقولك: غلاما حصل فهم المقصود. كذلك إذا قلت: ملكت عشرين نعجة؛ نعجة هذا تمييز. إذا قلت: مثلا ملكت عشرين محتمل أنك ملكت عشرين دارا، أو ملكت عشرين بعيرا ؛ فإذا ميزت بقولك: نعجة حصل فهم المقصود.
كذلك إذا قلت: زيد أكرم منك أبا. هذا أيضا تمييز، أكرم منك ولكن إذا قلت أكرم منك احتمل أنه هو الكريم، فإذا ذكرت أباه زيد أكرم منك أبا ميزت من المراد الذي تفضله، وأنه أكرم من غيره؛ فكان هو الأب أكرم منك أبا، أو أطيب منك نفسا، أو أكثر منك مالا أو أحسن منك وجها. وما أشبه ذلك، هذه كلها تمييز.
التمييز تكون في آخر الكلام. الأصل أنها لا تتقدم فلا تقل مثلا: أبًا زيدٌ أكرمُ منكَ؛ لأنك إذا قلت: زيد أكرم منك، وقدمت كلمة أبا أو نفسًا زيدٌ أطيبُ منكَ اختل الكلام. إذا قدمت نفسا أو أبا جعلتها بأول الكلام. وكذلك أيضا لا تكون كلمة التمييز إلا في آخر الكلام، ولا تكون إلا نكرة فالأصل أنها منكرة، وتعريفها يعتبر شاذا لو قلت مثلا: زيد أكرم منك الأب، أو قلت مثلا: ملكت عشرين النعجة؛ يفهم منها أن عشرين النعجة معروفة عند من تكلمه، بخلاف ما إذا قلت: عشرين نعجة؛ فإنه يفهم منها أنها عشرين نعجة غير معروفة عند السامعين. وبكل حال حكمه أنه منصوب؛ فينتبه من يقرؤه أن الأصل فيه النصب، وأنه يأتي بآخر الكلام.
ففي مثل قول الشاعر:
رأيـت اللـهَ أكـبر كـل شيء
محـاولـةً وأكـثرهم جنـودا
قد تقول: إن قوله: رأيت الله أكبر كل شيء كلام كامل؛ كلام تام؛ ومع ذلك أتمه وأكمله بقوله: محاولة؛ رأيت الله أكبر كل شيء محاولة. كلمة محاولة هي التمييز. وكذلك قوله: أكثرهم جنودا جنودا هذه هي التمييز؛ جاءت في آخر الكلام، والمعنى: والله أكثرهم جنودا، يعني من يجندهم لطاعته.
فالحاصل أن التمييز من منصوبات الأسماء، وأنه لا يكون إلا نكرة، وأنه لا يكون إلا بعد تمام الكلام.