(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
شرح كتاب الآجرومية
96921 مشاهدة
ثانيًا: جوازم الفعل المضارع

بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد. قال المؤلف رحمنا الله وإياه: والجوازم ثمانية عشر وهي: لم ولما وألمْ وألمَّا ولام الأمر والدعاء ولا في النهي والدعاء، وإن وما ومَن ومهما وإذ ما وأي ومتى وأين وأيَّان وأنَّى وحيثما وكيفما وإذا في الشعر خاصة.


تقدم أن النواصب عشرة، وتكلمنا على أربعة؛ وهي أن وإذن ولن وكي. وذكروا أن أَنْ يقال لها: حرف مصدري ونصب؛ لأنها هي وما دخلت عليه في معنى المصدر؛ نحو أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا . وأما لن فإنها حرف نفي ونصب واستقبال. وذكروا أن النفي تارة يكون إلى غاية؛ مثاله قوله تعالى: قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ فهذا جعلوه إلى غاية،. وهو الرجوع. وأما الذي إلى غير غاية؛ فمثل قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا لن نصبت الفعل، وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأسماء الخمسة. فهذا إلى غير غاية؛ يعني يتصفون بأنهم لا يخلقون ذبابًا أبدًا لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا أبدا؛ لن يخلقوا ذبابة.
وأما كي؛ فذكروا أنها تنصب إذا كان قبلها لام التعليل، ومثلوا بقوله تعالى: لِكَيْ لَا تَأْسَوْا وقد تحذف منها اللام؛ مثل قوله فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا تقر منصوب بكي بفتحة ظاهرة. وإذا قلت مثلا: جئت إلى المسجد كي أقرأ، أو كي أستفيد، أو كي أتعلم؛ فإنها مقدرة فيها اللام؛ أي لكي. وقد تحذف كي وتبقى اللام فتقول: جئت لأتعلم، جئت لأقرأ، أو لأستفيد.
ومثلوا لإذن بقول الشاعر:
إذن واللـه نرميهـم بحـرب
يشيب الطفـل من قبـل المشيب
فنرميهم نصبت بإذن. وأما الستة الباقية، فقالوا إنها تنصب بأن مضمرة. ولو لم تظهر. مثل لام كي ولام الجحود وحتى والجواب بالفاء والجواب بالواو وأو. تنصب بأن مضمرة بعد هذه الحروف. ولكن لا تظهر أن إلا نادرا.
فمثال لام كي يعني اللام التي تأتي بدلها كي؛ قوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ اللام هذه لام كي, أي كي يغفر؛ تنوب منابها كي أن أي لأن يغفر لك الله. ومثلها أيضا قوله: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ الفعل هو ليعذب دخلت عليه لام كي. ومثلوا أيضا بقوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا أي لأن يكون، أو لكي يكون؛ فهذه انتصب الفعل لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا بأن مضمرة بعد لام كي.
ويقولون: إن لام الجحود هي التي تسبق بحرف جحد، أو حرف نفي؛ فقوله تعالى: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُم لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُم سبقها نفي، سبقها جحد فهي لام جحد. انتصب الفعل بأن مضمرة بعد اللام التي هي لام الجحود لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُم وأما قول الشاعر:
ولبـس عبـاءة وتقـر عـيني
أحـب إلي مـن لبس الشفـوف
فهنا أيضا مقدر فيها أن؛ أي تقديره أن تقر عيني. وتقر؛ أي وأن تقر عيني.
أما حرف حتى، هي من النواصب ولكن لا تنصب إلا بأن مضمرة. تقدر بعدها أن ويكثر النصب بها؛ مثل قوله تعالى في الآية التي ذكرنا: قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ يرجع منصوب بأن مضمرة بعد حتى. وتكون تعليلية؛ مثلوا لها بقولهم: إذا قيل مثلا للكافر: أسلم حتى تحقن دمك، أسلم حتى تكتب سعيدا، أو اعمل صالحا حتى تدخل الجنة. وإذا قال مثلا القائل: أعبد الله حتى يغفر لي. فحتى هنا نصبت الفعل ظاهرا، وقدر بعدها أن مضمرة.
وأما أو فمثلوا لها بقولهم: لأقتلن الكافر أو يسلمَ. أو يسلمَ فيعني أو أن يسلمَ. وأما الجواب بالفاء والواو. فتأتي في مواضع كثيرة. ذكرها بعضهم، ذكر بعضهم أنها تسعة مواضع نظمها بقوله:
مر وانه وادع وسل واعجب لحظهم
تمـن وارج كـذاك النفي قد كمـل
أى تأتي في هذه التسعة. فتأتي بعد الأمر؛ إذا قلت مثلا: ادخل المسجد فتقبل، أو وتقبل عبادتك. تقدمها أمر الفعل الذي بعد فتقبل أو وتقبل منصوب بهذا؛ لأن الأمر قد سبقها.
وإذا ذكر بعدها نهي؛ إذا قلت مثلا: لا تعص الله فيعذبك أو فيبطل أو ويبطل عملك، أو لا تؤذي أحدا فتتعرض للأذى أو وتعرض نفسك للعذاب. تقدمها نهي؛ لا تعص وما أشبهها.
وأما الدعاء. الدعاء يراد به سؤال الله تعالى، وهو وإن كان بلفظ الأمر لكن لا يقال في حق الله تعالى إنه أمر؛ فالعبد لا يأمر ربه، ولكنه يسمى دعاء فيقول القائل: رب وفقني فأعمل صالحا، رب اهدني فأتوب إليك أو وأتوب. فأعمل وأتوب هذه أفعال منصوبة بأن مضمرة بعد الفاء التي هي جواب لكلام قبلها. وأما السؤال؛ فإذا سألت إنسانا. فسألته وأردت الجواب منه؛ فإنك تقول مثلا: ماذا فعلت فرد عملك أو فيرد عملك، أو ماذا أذنبت فتحرم الخير، أو نحو ذلك. فهنا سؤال تسأله؛ ما السبب الذي جعل أعمالك ترد أو سؤالك لا يقبل؟ . وقد يكون هذا من الاستفهام.
الاستفهام الذي يدخل أداته من أدوات الاستفهام مثلوا لذلك بقوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ الفعل منصوب بالفاء؛ يعني ظاهرا وأن مقدرة قبله. سبق هذه الجملة جملة استفهامية مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَه ومثلوا بقوله: رب وفقني فأعمل صالحا أو وأعمل صالحا لسؤال الله تعالى. ومثلوا للتمني إذا قال: ليت لي مالا فأتصدق أو وأتصدق منه. أتصدق هذا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء أو بعد الواو؛ فهي من جملة النواصب. النصب ظاهر بالفاء أو بالواو.
وأما قولهم لا تضرب إلا عمرا فيغضب أو ويغضب غيره. هذا مثال أيضا للنهي. أن الجملة إذا سبقها نهي فإنه ينصب الفعل في دخول فاء السببية عليه أو الواو التي هي فاء جواب. مثال العرض؛ قولهم: ألا تنزل عندنا فتصيب خيرا أو وتصيب خيرا؛ هذا يسمى عرض يعني أنه يعرض عليه أمرا مناسبا له. فالفعل هو تصيب انتصب بالفاء أو بالواو. وإذا قلت مثلا: ألا اتقيت الله فيغفر لك؛ فهذا حضٌّ يسمى حضًّا ويسمى تحريضا ألا تتقي الله فيغفر لك.
فالحاصل.. أن هذه النواصب تنصب الفعل؛ إما بنفسها كالأربعة الأولى، وإما بأن مضمرة كالستة الباقية.

وأما الجوازم فذكر منها المؤلف ثمانية عشر. قالوا إن هذه الجوازم منها ما يجزم فعلين، ومنها ما يجزم فعلا واحدا. فالذي يجزم فعلين الأول يسمى فعل الشرط والثاني يسمى جواب الشرط وجزاءه. فالستة الأولى هي التي تجزم فعلين؛ وهي لم ولما وألم وألما ولام الأمر والدعاء ولا في النهي والدعاء.
وأم الباب هي لم. ويقول في تعريفها: إنها حرف نفي وجزم وقلب. إنها تنفي الكلام ليست حرف إثبات بل هي حرف نفي، وتقلبه إلى المضي تصيره كأنه أمرا قد مضى وانقضى وانقطع أمرا ماضيا، وتجزم الفعل؛ ويكثر الجزم بها. تجزم فعلا واحدا؛ فإن كان الفعل صحيح الآخر ظهر عليه الجزم؛ نحو لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ إلا إذا حرك آخره لالتقاء الساكنين؛ نحو لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ وكذلك أيضا إذا اتصل به ضمير؛ نحو لم يجده الدال هي آخر الفعل والضمير متصلة بها، أو لم أضربه.
أما إذا كان معتل الآخر؛ فإنه يحذف منه حرف العلة، ويبقى الفعل ليس فيه الزيادة التي هي حرف العلة. فإذا قلت مثلا: لم يصل لم يزك؛ تحذف حرف العلة التي هي الياء، تكتب: لم يصل لم يزك. تحذف منه الياء، ويقال مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة والكسرة قبلها دليل عليها. وهكذا إذا كان معتلا بالواو؛ فإنك تحذف الواو فإذا قلت: لم يرج لم يغز؛ حذفت حرف العلة التي هي الواو؛ فتكتبها لم يغز لم يرج؛ وذلك لأن هذا الحرف الزائد يعتبر حرف علة. والأصل أنها تجزم الفعل وتسكنه؛ فلما كان معتلا حذف حرف العلة فتقول: لم يرج مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وتقول الضمة قبلها دليل عليها.
وهكذا إذا كان معتلا بالألف؛ فإنك أيضا تحذف حرف العلة الذي هو الألف. فإذا قلت: لم يسع لم يخش؛ العلة هنا هو الألف المكسورة؛ فتحذفها وتكتبها: لم يخش لم يسع وتقول: مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة التي هي الألف، والواو قبلها دليل عليها. وكذلك قولك: لم يقض لم يأت؛ مثل: لم يصل لم يزك. وإن كان يزكِّ مضعفا إذا فلم يأتِ لم يقضِ معتل بالياء فتكتب لم يقض لم يأت مجزوم بلم. وكذلك إذا كان مضعفا فمنهم من يبقيه على تضعيفه ويفتحه، ومنهم من يفك التضعيف و يجزمه؛ مثل رد؛ منهم من يقول لم يردد لغة، ومنهم من يقول لم يردَّ. وكذلك حطَّ؛ إذا قلت حتى لم يحطُطْ أو لم يحطَّ؛ لأن الفعل منها حطَّ، حطَّ عنا خطايانا فهذا حرف لم هو أم الباب التي الأصل أنها هي أصل الجوازم وأكثرها استعمالا.
كذلك ألم. إذا أضيف إليها همزة ألم فإنها تكون استفهامية حرف استفهام ومع ذلك تجزم الفعل قال تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ نشرح مجزوم بألم، وكذلك أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا يجدك؛ الدال هي آخر الفعل جزم بألم الاستفهامية؛ فهذه تعامل معاملة لم في كونها تجزم فعلا واحدا الذي يليها. أَلَمْ يَجِدْكَ .
وأما لما وألما فهي فعل يدل على النفي إلا أنه فيه شيء من التقريب؛ يعني تقريب النفي؛ هو أخف نفيا من لم ومن ألم. إذا قلت مثلا: فلان لما يقم. يفهم منه أنه يمكن أن يقوم قريبا، وفلان لما يأت: يأت مجزوم بلما علامة جزمه حذف حرف العلة التي هي الياء، والكسرة قبلها دليل عليها. وكذلك إذا دخلت عليها ألف الاستفهام فإنها أيضا تجزم؛ نحو ألما يأت فتعمل عمل لما إلا أنها تكون استفهامية؛ ألما يأت فلان، ألما يقم زيد؛ يعني هل قام أو لم يقم. لما يقم يعني قريب للقيام. فالحاصل أن هذه الأربع من الجوازم التي تجزم فعلا واحدا ولعلنا نؤجل البقية إلى الدرس الآتي إن شاء الله.