اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
شرح كتاب الآجرومية
100288 مشاهدة
أنواع البدل

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المؤلف -رحمنا الله تعالى وإياه- باب البدل: إذا أبدل اسم من اسم أو فعل من فعل تبعه في جميع إعرابه. وهو على أربعة أقسام: بدل الشيء من الشيء، وبدل البعض من الكل، وبدل الاشتمال، وبدل الغلط. تقول: ((جاء زيد أخوك، وأكلت الرغيف ثلثه، ونفعني زيد علمه، ورأيت زيدًا الفرس؛ أردت أن تقول رأيت الفرس فغلطت فأبدلت زيدًا منه.


إن هذا من التوابع. من جملة ما يعربونه على أنه تابع؛ فيقولون: البدل يتبع المبدل في رفعه وفي نصبه وفي خفضه وفي جزمه، وفي تعريفه وفي تنكيره. فإذا أبدل اسم من اسم، أو فعل من فعل تبعه في جميع أحواله. وسمي بدلا؛ لأنه يأتي عوضا عما قبله، أو مبدلا منه. والأصل في الإبدال أنه الإتيان بشيء مكان غيره. ومنه قوله تعالى: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ قرأها بعضهم: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ. ومثله قوله تعالى حكاية عن أهل الجنة: عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ قرأها بعضهم: عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبَدِّلَنَا خَيْرًا مِنْهَا. فيقال: أبدله وبدله. وفي التعزية يقال للمعزى: أبدلك الله خيرا منه.
يعني عوضك ببدله بما هو خير منه. فلما كان البدل هو كلمة مكان كلمة؛ سواءٌ كان فعلا أو حرفا؛ سمي بدلا. ثم إذا أبدل اسم من اسم، أو فعل من فعل تبعه في أحواله. فبدل الفعل من الفعل؛ إذا قلت مثلا لإنسان وذكرت عنه قلت: قام فلان وقف، أو لم يقعد لم يجلس ، أو لم تأت بالحرف لم يقعد يجلس؛ فإن أحد الفعلين عوض عن الآخر وبدل عنه مع أن المعنى واحد. وكذلك إذا اختلف المعنى، فإذا قلت مثلا: فلان لم يسافر لم يخرج، أو لم يقدم لم يجئ، لم يقدم يجئ يحضر، كان هذا فعلا مضارعا، أحد الفعلين جاء بدل الآخر. وكذلك إذا قلت مثلا لإنسان: يعجبني أن تحضر، تجلس، تحافظ. فالأفعال منصوبة بأن، أحدها بدل من الآخر.
وكذلك الأفعال الماضية، إذا أبدلت فعلا ماضيا كقولك مثلا: فلان خرج دخل، جعلت دخل عوضا عن خرج، أردت أن تقول: دخل، فقلت: خرج، أو فلان حفظ، ثم قلت: نسي، أردت أولا أن تقول: نسي، فقلت: حفظ نسي.. وهكذا. فيسمى هذا بدلا، وقد يكون البدل جملة بدل جملة، وتكون تلك الجملة بمعنى الذي قبلها، أو بغير معنى، فتقول مثلا: أخوك حاضر؟ ثم تعرض عن هذا، فتقول: إبراهيم غائب. أردت أولا أن تسأله عن أخيه، ثم عدلت وسألته عن شخص اسمه إبراهيم. يسمى هذا أيضا بدلا.
ثم ما ذكره من أن البدل يتبع المبدل في إعرابه، ذكر له هذه الأمثلة. فبدل الكل من الكل، إذا قلت: جاء زيد أخوك، أخوك هو نفس زيد، زيد أخوك، إذا كان أخوك اسمه زيد فأردت أن تصفه، فتوضح فتقول: زيد أخوك قائم، أو: رأيت زيدا أخاك، أو أباك، أو جلست إلى زيد أخيك، فهذا لا يعطى صفة، ولكنه يعطى إعراب بدل، ويسمى بدل الكل من الكل. يعني أن زيدا هو نفس أخوك، فهو بدل كل من كل.
وأما بدل البعض من كل، فمثلوا له بما إذا قلت: أكلت الرغيفَ ثُلُثَهُ، أو قرأت القرآن نِصْفَهُ، أو قرأت القرآن عشرين سورة، أو خمسة أجزاء، فعشرين بدل من القرآن، وكذلك خمسة بدل.. وهكذا إذا قلت مثلا: فلان يحفظ القرآن ثلثه، أو نصفه، أو قلت مثلا: العلم نصفه ينفع، أو يفيد. النصف هنا، والثلث بدل بعض من كل؛ لأنك إذا قلت مثلا: العلم، فالعلم كل، فإذا اقتصرت على النصف فقد أتيت بالبعض، إذا قلت مثلا: تعلمت العلمَ الفرائضَ، فالفرائض بدل من العلم، أو تعلمت العلمَ العباداتِ، فالعبادات بدل من العلم، قرأت الكتاب الفقه، بدل منه، أو قلت مثلا: هذا كتاب العلم الأحكام. العلم واسع، والأحكام خاص، فيكون بدل بعض من كل؛ لأن العلم يدخل فيه الأحكام، ويدخل فيه الآداب، ويدخل فيه التاريخ، واللغة وما أشبهها، ولكنك أبدلته وجعلته الأحكام.
وهكذا بدل الاشتمال مَثَّلَ له بقوله: نفعني زيد علمه، زيد قد يكون فيه منافع أخرى ينفعك جاهه، ينفعك ماله، ينفعك ببدنه، يساعدك، ينفعك بتعليمه، فأنت أبدلت العلم، وقلت: نفعني زيد عِلْمُهُ، فصار الذي انتفعت به بعضا- وهو العلم- وعلمه من جملته، يعني مُشْتَمِلا عليه. بدل الاشتمال، كونه مشتملا على العلم، أي مما يحفظه.
ثم ذكر بدل الغلط، فقال: رأيت زيدا الفرس، إنسان أراد أن يقول: رأيت الفرس، فغلط، وذكر زيدا، ثم تذكر فعاد إلى ما رآه، وهو الفرس. يحدث هذا كثيرا، فيقول مثلا: قام زيد عمرو، أو: صلينا الظهر العصر، أراد أن يقول: العصر فغلط، وأتى بالظهر، ثم تذَكَّر، أبدلها بالعصر. أو يقول مثلا: هذا ثوب نعل، هذا مسجد بيت، غلط في أول الأمر، فذكر المسجد خطأً، ثم رجع وقال: بيت. أو قال مثلا: هذا حيوان إنسان، وهذا يعتبر أيضا غلطًا. فالثاني بدل من الأول، فيعطى إعرابه، سواء كان مرفوعا، نحو: جاء زيد عمرو، أو منصوبا، إذا قلت مثلا: قرأت الكتاب القرآن، أو مجرورا: دخلت في البيت المسجد، أو مجزوما مثل: لم يقم يقعد. وهكذا، ويعرب بإعراب ما قبله.