جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
كتاب الروض المربع الجزء الأول
93716 مشاهدة
الإسراع بالجنازة

ويسن الإسراع بها دون الخبب لقوله عليه السلام: أسرعوا بالجنازة فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم متفق عليه .


فهم كثير من الفقهاء أن هذا الحديث دليل على الإسراع؛ يعني: إذا حملوها فإنهم يسرعون، ولا يصل الإسراع إلى الخبَب الذي هو السعي -السعي الشديد- بل سرعة المشي, سرعة السير وإن لم يكن سعيا, هكذا فهموا من هذا الحديث. فيقولون: المشي رويدا مكروه, والسعي الذي يصل إلى الخبب مكروه، والإسراع -وهو وسط- هذا هو المستحب. لكن المتبادر من الحديث أنه في حثهم على التجهيز, أسرعوا بالجنازة, يعني بتجهيزها؛ وذلك لأنه علل بقوله تضعونه عن رقابكم ومعلوم أنه ليس كل الذين يهمهم أمر الميت, ليسوا يحملونه، إنما قد يحمله مثلا أربعة أو يحمله عشرة، والبقية لا يحملونه, فكيف قال: تضعونه عن رقابكم وهم لا يحملونه؟! ولم يقل: يضعه بعضكم, أو يضعه مَن حمله عن رقبته؛ فدل على أن المراد: التجهيز؛ أي: أسرعوا بتجهيز الجنائز, ولا تؤخروه.
فإنها إذا كانت صالحة قدمتموها إلى خير وهو ما تلقاه في البرزخ، وإذا كانت غير ذلك -غير صالحة- فهو شيء ملزمون به ويهمكم, فتضعونه عن رقابكم؛ بمعنى أنكم تنتهون منه, وتنجزونه وتسلمون من مسئوليته، فكأنكم وضعتم شيئا قد حملتم هَمَّه على رقابكم، وذلك بإنجازكم لهذا الميت. هذا المتبادر أنه في إسراعهم في التجهيز أسرعوا بالجنازةيعني بتجهيزها ودفنها؛ يعني: أنجزوه, لا تؤخروه كما قال -صلى الله عليه وسلم- لا ينبغي لجيفة مسلم أن تُحبس بين ظهراني أهله فدلَّ على أن المراد: بعد موته, لا يؤخر بل يُبادر به، هذا هو الأصل. لكن يجوز تأخيره لحاجة، وقد تقدم في أول الجنائز يقول الماتن هناك: وإسراع تجهيزه إن مات غير فجأة. فاستثنوا إذا مات فجأة أنه يُؤخر إلى أن يتحقق موته؛ لأنه قد يكون أصابه سكتة أو غشية أو إغماء، ولا يكون ميتا بل يكون حيا، وكم قد حصل من ذلك؟!
ذكروا أن ميتا أو نعشًا مر به على أناس جالسين، وقد حمل على النعش، فقال بعض الجالسين: إن هذا المحمول حي، قالوا: قد كيف يكون حيا وقد غُسِّل وكُفِّن ووُضِع على النعش وحمل وذهب به إلى المقبرة؟!! فقال: إنه لا يزال حيا، فأخبروا بذلك, فانتظروا وإذا هو قد أفاق، فسألوه: كيف عرفت أنه حي؟ فقال: رأيت قدميه قائمتين! يعني: أنه قد وقفت قدماه، والميت قدماه تمتد, فاستنبط من وقوف قدميه أنه لا يزال فيه حياة؛ فلا يسرع به إذا كان مثلا موته فجأة، أما إذا تحقق موته فإنه يسرع به.