إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
السراج الوهاج للمعتمر والحاج
47892 مشاهدة
خاتمة في التوبة والإقلاع عن المعاصي

لا شك أن كل عامل يحب الأجر والثواب على عمله، ويهتم بقبوله وعدم ردِّه، ولكن القبول له علامات تظهر على العامل، وأهمها أن يرجع إلى بلده متأثرا بما عمله من أعمال المناسك.
فقد أحرم لربه، وترك مشتهياته، وشاهد المشاعر المقدسة، وساهم مع الطائفين بالبيت وبالصفا والمروة ودعا بالأدعية المأثورة، وأكثر من الذكر والتلبية والتكبير ونحوه، ورأى كثرة الطائفين والقائمين والركَّع السجود، وسمع ابتهالهم وتضرعهم، وشاركهم في البكاء والخشوع والإِخبات، والتذلل لله تعالى، وكل هذه الأعمال إذا كانت خالصة لله تعالى فإِن أثرها يبقى معه مدى حياته، بحيث يشعر بمحبة الطاعة، والتلذذ بالعبادة.
فيرجع إلى أهله وقد تغير عما كان عليه من الإِهمال، والغفلة عن ذكر الله، والتكاسل عن الصلاة، والتخلف عن الجمع والجماعات، وتعاطي المسكرات والدخان والمخدرات، وقد أبغض المعاصي كلها وأهلها ودان لله تعالى بهجر العصاة والمنحرفين، ودعاة الضلال والعلمانيين، ومقت أهل الفحش والخنا، ودعاة العهر والتبرج والاختلاط، وأهل البدع والخرافيين، وأحب أهل الخير والطاعة، والعلم بالله وآياته وشرائعه، وحرص على القرب منهم، والاقتداء بهم، وتقبل نصائحهم وإرشاداتهم، ومجالسة الصالحين، والتخلق بأخلاقهم، وعمارة المجالس بالذكر والفكر والعبادات.

وهذا ونحوه أثر هذه الأعمال التي تقرب بها إلى ربه في حجه وعمرته، وأعماله الصالحة، وذلك لأنها تجره إلى الطاعة، وتبعده عن المعصية، وتحبب إليه أن يتوب إلى ربه توبة نصوحا ، فيأتي بشروطها التي هي: الإقلاع عن الذنوب ، والندم على ما مضى منها ، والعزم على أن لا يعود إلى معصية ، فالذي يعمل هذه المناسك والعبادات وهو مقيم على التهاون بالصلاة أو فعل شيء من المنكرات ، أو تعاطي المسكرات، أو أكل الربا أو غيره من المعاملات المحرمة ، فهذا لم يتأثَّر بما تقرب به من هذه المناسك ، في هذه المشاعر المقدسة.
وكذا من يفتخر بالذنوب والجرائم التي ارتكبها قبل الحج ، ويذكرها في مجالسه، وكأنها من أفضل الطاعات، ويتمدح بما اقترفه من قتل ونهب وسرقة، وزنا وقذف ونحوها، ولا يبالي بذلك ، فمثل هذا ما نفعته هذه الطاعات والأنساك التي فعلها في حجه وعمرته، حيث إِنَّه لا يزال على ما كان عليه من الاعتزاز والفخر بما حرَّمه الله عليه.
وهكذا من يرجع إلى أهله فيباشر ما كان يفعله قبل سفره، فيدعو الأموات، ويتقرب إلى الضرائح ، ويهتف بأسماء الأولياء، ويناديهم في الكربات، ويحلف بغير الله ، أو يترك الصلاة، ويتخلَّف عن جماعاتها، ويمنع حق الله في ماله ونحو ذلك، فإِن هذه الأفعال وما أشبهها قد تركها في المواسم المقدسة، فإذا عاد على ما كان عليه، وباشر الشرك والبدع والمعاصي، فما تأثر بأعماله وقرباته، ويوشك أن ترد عليه حجته وعمرته، وأن يعاقب أشد عقوبة مما كان عليه قبل ذلك، حيث جمع بين الطاعة والمعصية.
وأغلب من يعود إلى المحرمات من هؤلاء الحجاج والزوار من لا يكون حجهم خالصا لله، وإنما فعلوه عادة وتقليدا لأهل بلادهم، أو افتخارا وتمدحا باسم أنه قد أدى الفريضة، وأتم الأركان، وهو لم يفعل ذلك تدينا ومحبة لله، ولا اعترافا بفرضيته، وإنما مجاراة ومحاكاة لأهل الوطن ، وهؤلاء لا تفيدهم أعمالهم إلاَّ التعب والخسران المبين.
فننصح كل حاج ومعتمر وزائر أن يتم في توبته، وأن يستمر في أعماله الصالحة، وأن يكون قدوة حسنة لأهله وإخوانه ، وأصحابه وجيرانه ، فيدعوهم إلى الله تعالى ، ويحسن لهم الإقبال على الطاعة ، والاستكثار منها ، والتقرب إلى الله بأنواع العبادات فرضها ونفلها ، والبعد عن المحرمات والجرائم، وأن يكون من الدعاة المخلصين لربهم وللأمة الإسلامية، يدعون إلى الله بأقوالهم وأفعالهم، رجاء أن ينفعهم الله تعالى وينفع بهم ، ويهدي على يديهم من أراد الله به خيرا من الأمة الإسلامية، وينقذهم بواسطة دعوتهم من براثن الشياطين، وضلال المضلين، والله يهدي إلى سواء السبيل ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.