الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
السراج الوهاج للمعتمر والحاج
47897 مشاهدة
أولا المبيت ليالي منى

ويبقى على الحاج المبيت بمنى أيام التشريق، ورمي الجمار في تلك الأيام.
فأما المبيت فهو من واجبات الحج، والأصل أن الحاج يقيم في منى برَحْلِهِ ومتاعه، ولا يذهب منها ليلا ولا نهارا إلا لغرض خاص، كالطواف والسعي، ثم يعود، ولهذا تسمى هذه الأيام بأيام منى كما في قوله -صلى الله عليه وسلم- أيام منى أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل وإن كان نص الفقهاء رحمهم الله على المبيت الذي هو الإقامة بها ليلا، لكن المعروف أن الحجاج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من أهل مكة وغيرهم كانوا جميعا مقيمين بمنى تلك الأيام، يعدون ذلك نسكا يتم به حجهم، لم يذهبوا إلى دورهم مع قربها، وحاجتهم غالبا إلى أهليهم ، فلم يرجعوا إلى بيوتهم حتى أكملوا حجهم، حتى كانوا يقصرون الصلاة لطول المدة التي غابوها عن أهليهم.