لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
السراج الوهاج للمعتمر والحاج
47930 مشاهدة
طواف الوداع

هذا الطواف يفعل عند العزم على السفر من مكة والرجوع إلى الأهل ، وسمي طواف الوداع لأن الحاج يودع البيت والمشاعر، ويختم به أعمال الحج ، وهو أحد واجبات الحج، من تركه فعليه دم، كسائر المناسك التي تجبر بدم، ولا يسقط هذا الطواف إلا عن الحائض والنفساء، الرخصة في حق صفية أم المؤمنين لأجل الحيض، وفي الحديث: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض والمراد بالناس هم الحجاج كلهم.
ومن ذهب وشق عليه الرجوع جبره بدم، فإن تمكن من الرجوع فرجع، وطاف للوداع سقط عنه الدم، ولو كان الرجوع بعد قطع مسافة طويلة، أو مدة طويلة ، وذلك لسهولة الرجوع في هذه الأزمنة، بخلاف الزمن القديم، فإن من سار يومين صعب عليه الرجوع، وخاف الانقطاع عن الركب، فيفضل دم الجبران على الرجوع ، لمشقته ولطول المسافة، وصعوبة السفر منفردا خوف قطاع الطريق .
أما وقد وجدت المراكب المريحة التي تقطع المسافة في وقت قريب، مع تعبيد الطرق ، وأمن البلاد، فلا خوف ولا ضرر في الرجوع لإكمال هذا النسك.
أما إن لم يرجع وواصل سيره إلى بلاده فإن عليه الدم كما ذكرنا ، لكن إن كانت بلاده قريبة كجدة والطائف وذهب هناك بعد أيام منى خوفا من شدة الزحام في الطواف ، ثم رجع بعد يومين أو نحوها فالأصح أنه يجوز؛ حيث إنه أتى بالواجب كما أمر به.
ثم إن هذا الطواف هو آخر أعمال الحج، فلا يقيم بعده طويلا، فإن أقام بعده كنصف يوم، أو تعاطى تجارة، ونحوها لزمه إعادته، ليكون آخر عهده بالبيت ثم بعد فراغه من هذا الطواف، وصلاته ركعتين، يدعو بما ورد، و يسن أن يقف بالملتزم وهو بين الركن والباب، ويقول: اللهم هذا بيتك، وأنا عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك، حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على أداء نسكي، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضى، وإلا فمن الآن، قبل أن تنأى عن بيتك داري، فهذا أوان انصرافي إن أذنت لي، غير مستبدل بك ولا ببيتك، ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللهم اصحبني العافية في بدني، والصحة في جسمي ، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني ، وأجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة ،إنك على كل شيء قدير .
ويدعو أن لا يكون هذا آخر العهد، ويصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يخرج على حالته، ولا يجوز الخروج القهقري فإنه لا أصل له، والله أعلم.