اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
السراج الوهاج للمعتمر والحاج
47919 مشاهدة
رمي جمرة العقبة

فأما الرمي فيقتصر على رمي جمرة العقبة هذا اليوم، وأول وقته في حق القادرين من طلوع الشمس يوم النحر إلى غروبها، ويُرخَّصُ للضعفة والظعن في الرمي آخر الليل، فينفرون من مزدلفة بعد غروب القمر، ويرمون قبل حطمة الناس، وتختص الرخصة بالنساء العجائز، والمرضى والمسنين من الرجال والصغار ونحوهم.
وقد توسع الناس في هذه الرخصة فصار الجمهور ينفرون من أول الليل أو من وسطه، وغالبهم أقوياء أشداء لا عذر لهم، ويتعللون بأن معهم شخص أو شخصان من أهل العذر، وذلك لا يبرر فعلهم، فإن عليهم أن يبقوا إلى الصباح، ويؤخر النساء الرمي إلى آخر النهار، حيث يخف المكان، ويتسع لرميهم، وإن أخروه إلى الليل جاز ، فهو أفضل من رميهم ليلة النحر، وتفويت الجميع للمبيت بمزدلفة الذي هو أحد الواجبات، وعند بعض العلماء أنه أحد أركان الحج.
ثم إذا رخص للضعفاء والعجائز فإن بإمكان غيرهم البقاء في مزدلفة وبعد الصباح يمشون على الأقدام إلى منى فلا مشقة في ذلك لقرب المكان، وكثيرا ما يصل المشاة قبل أهل السيارات، لشدة الزحام في ذلك اليوم.
وبالجملة فإن الرمي يوم النحر يختص بجمرة العقبة ويكون بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ولا يجوز الزيادة على السبع ولا النقص منها، وإن اقتصر أحيانا على ست أجزأه إن لم يتعمد للعذر، ويحرص على أن تصيب الحصيات الحوض أو الشخص، ولو تدحرجت إلى الأرض أجزأت، وإن وجهها إلى المرمى، وغلب على ظنه إصابتها أجزأت، ولا يشترط رؤيته للإصابة، فقد يشتد الزحام، ولا يتحقق من إصابة كل حصاة، فيجزئه توجيهها إلى الشاخص ولو كان بعيدا، إذا كان الغالب من معرفته وعادته الإصابة بمثل ذلك.
ويكون حصى الجمار مثل حصى الحذف، وهو الذي يرمى به بين الأصابع.
وفي حديث ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له لما ركب من مزدلفة ناولني سبع حصيات ، قال : فالتقطت له سبع حصيات هن حصى الخذف ؛ فقال: بمثل هذا فارموا يا عباد الله، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين رواه أحمد وأهل السنن .
والذي التقط الحصيات هو الفضل بن عباس لأن عبد الله كان ممن ظعن مع الضعفة آخر الليل ، وقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أي بني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس .
ومناسبة النهي عن الغلو، مخافة أن يرموا بأكبر منها من باب التشدد، وقد وقع الغلو من كثير من الناس، حيث يرمون بحصى كبار مثل بعر الإبل، وربما أكبر من ذلك، وقد يرمي بعضهم بالأحذية، والحجارة الكبيرة ملء اليد أو نحوها، ويعتقد الكثير من العامة أنهم يرمون الشيطان، وأن الشيطان يتأثر ويتضرر بهذا الرمي، ويسميه الكثيرون بالشيطان، أي: يطلقون اسم الشيطان على الجمرات، بقولهم: الشيطان الكبير، والشيطان الصغير… إلخ، مع أن الحكمة في رمي هذه الجمرات هي إقامة ذكر الله تعالى، مع تذكر عداوة الشيطان الذي عرض لأبينا إبراهيم عليه السلام في هذه الأماكن لما أراد ذبح ولده، كما ورد ذلك في حديث رواه أحمد وغيره عن ابن عباس بسند صحيح، فعند رمي هذه الجمرات يكبر الله تعالى، ويدعوه ويستعيذ من الشيطان بالقول والفعل، ويتقيد بما ورد في السنة من صفة الرمي وزمانه، وتذكر الحكمة فيه حتى يعمل بالسنة ويسلم من البدعة.
ثم إن رمى يوم النحر كما ذكرنا يختص بجمرة العقبة وهي التي في طرف منى مما يلي مكة والأفضل أن يجعل مكة عن يساره، ومنى عن يمينه، كما فعل ابن مسعود رضي الله عنه؛ وقال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة، يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- .
وقد كانت هذه الجمرة في أصل عقبة -أي جبل صغير- ثم إنَّه أزيل في عام 1375هـ لتوسعة الطريق، وحيث إن حوض هذه الجمرة كنصف دائرة، فإن على الحاج الحرص في أن لا يرمي في غير جهة الحوض، حيث إن الجهة الشمالية وهي موضع العقبة ليس بها حوض، وإن كان طرفاه باديان لمن أتى من جهة الشمال، وإن رمى من السطح حرصا على وقوع الجمرات في فرع الحوض الذي يشبه القعب ؛ حيث إنَّها تنحدر منه وتقع في الحوض.