الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
كتاب الروض المربع الجزء الثاني
82789 مشاهدة
حكم أخذ الجزية من غير أهل الكتاب والمجوس

وأخذ الجزية من غير المجوس.


وهل تؤخذ الجزية من غير المجوس وأهل الكتابين؟ يعني: هل يجوز عقد الذمة لغير المجوس وأهل الكتابين كالمشركين من الهندوس أو القبوريين أو الوثنيين أو البوذيين أو الشيوعيين؛ الذين لا دين لهم؟ هل يجوز أن يعقد لهم ذمة؟
أكثر الفقهاء على أنهم لا يعقد لهم ذمة بل إما الإسلام وإما السيف، وذهب بعض العلماء ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إلى أنه يعقد لهم؛ واستدلوا بعموم حديث بريدة وفيه قوله: وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال: ادعهم إلى الإسلام، فإن أبوا فادعهم إلى الجزية، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم. فذكر الجزية من جملة ما يدعون به، فدل على أن كل عدو وكل مشرك يدعى إلى الجزية هذا دليل من ذهب إلى أنها تؤخذ من غير أهل الكتابين.
وأما الجمهور فتمسكوا بالآية؛ قالوا: لأن الله تعالى قال: قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وأما غيرهم فقال: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ولم يقل: حتى يعطوا الجزية.
فالراجح من حيث الدليل هو قول الجمهور: أنها لا تؤخذ إلا من أهل الكتابين والمجوس ومن تبعهم، هذا الراجح من حيث الدليل؛ لكن إذا رأى الإمام المصلحة في أخذ الجزية من غيرهم فله ذلك؛ نظرا للمصلحة الحاضرة. نعم.