إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
شرح الورقات
34420 مشاهدة
الاجتهاد

الاجتهاد:
الاجتهاد هو بذل الوسع في بلوغ الغرض، يعني: إذا جاءتك مسألة فلا تسأل فيها هذا العالم وهذا العالم ، عندك الكتب، فتبحث فيها عن الأحاديث وعن الآيات وعن الاستدلالات وما أشبه ذلك، وعندك قدرة على أن تفصل إلى القول الصحيح في هذه الحالة أنت مجتهد؛ إذا كنت قادرا على البحث، وقادرا على الفهم؛ وعندك معرفة باللغة، وعندك معرفة بالنحو، وعندك قدرة على فهم المسألة، فإنك تكون مجتهدا في تلك المسألة.
المجتهد إما أن يكون مجتهدا عاما أو مجتهدا خاصا، فالمجتهد العام هو الذي كل ما نزلت به مسألة أخرج دليلها؛ واستدل عليها، وأفتى فيها. وأما المجتهد الخاص فهو الذي يقدر على أن يجتهد في مسألة دون مسألة.
المجتهد إن كان كامل الآلة في الاجتهاد؛ فإن اجتهد في الفروع فأصاب فله أجران: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإن أخطأ فله أجر واحد، وهو أجر الاجتهاد، إذا بذل وسعه وبحث في المسألة.
هناك عند المعتزلة يقولون: كل مجتهد في الفروع مصيب، وهذا خطأ، الأصل أن المصيب واحد، وأن المخطئ مأجور، فالصواب مع أحدهما؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- عذر المخطئ وسماه مخطئا.
لا يجوز أن يقال: كل مجتهد في الأصول الكلامية مصيب؛ لو كان كذلك لقلنا: المعتزلة مصيبون، والأشاعرة مصيبون؛ تؤدي إلى تصويب أهل الضلال، حتى يقال: النصارى مصيبون لأنهم مجتهدون، الكفار مصيبون، الملاحدة مصيبون، المجوس مصيبون، الرافضة مصيبون!!! هذا توسع.
فالصواب أن الاجتهاد إنما هو في الفروع، وأما في الأصول فإنها متبعة، فالأصول العقيدة لا يجوز الخلاف فيها.
ذكروا أن ابن تيمية لما تناظر مع الأشاعرة الذين هم شافعية عند السلطان الذي في دمشق فقال السلطان: إن ابن تيمية حنبلي، اتركوه على معتقده اتركوه على مذهب الحنابلة. فامتنع الإمام ابن تيمية وقال: كلا لست على مذهب ابن حنبل ؛ بل الأئمة الأربعة، كلهم يقولون بقولي، كلهم متفقون على القول في العقيدة، على الإيمان بأسماء الله وصفاته وما يثبت له، طالبهم: ائتوني بقول عن الشافعي أنه أنكر الاستواء، وقال: اسْتَوَى استولى، ائتوني بقول عن الإمام مالك وأنا آتيكم بأقواله، الإمام مالك نقل عنه أنه قال: الله على عرشه، وهو معنا بعلمه كما يشاء وما أشبه ذلك، فلم يستطيعوا أن يأتوا بقول، فدل على أن الأئمة الأربعة على عقيدة واحدة في الأسماء والصفات.
المعتزلة يقولون: كل مجتهد مصيب، دليل من قال: ليس كل مجتهد في الفروع مصيبا: تقسيم النبي -صلى الله عليه وسلم- المجتهدين إلى مصيب ومخطئ، وأن من أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر.
وجه الدليل: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطَّأ المجتهد تارة وصوبه أخرى، فدل على أن المصيب واحد وأن المخطئ مأجور، والله أعلم. وهذا آخر الورقات.