تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
تفسير سورة الكهف
28848 مشاهدة
رد المؤمن على صاحب الجنتين

وبعدما حكى الله تعالى هذا القول عنه، حكى قول صاحبه؛ الذي هو مؤمن موحد، والذي هو موقن بأن ما عنده فهو من الله، وبأن ما أصابه فهو من الله. يقول الله تعالى: قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا كفره بالله هو قوله: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً هذا كفر؛ وذلك لأنه إنكار خبر الله.
كذلك أيضا جزمه بأنه ذو حظ عظيم. أي: أنه ذو حظ وأنه ما أعطي ذلك إلا لكرامته، هذا أيضا دليل على كفره.
كذلك أيضا افتخاره بقوله لصاحبه: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا نسي أن المال والنفر لا يغني عن الإنسان في الآخرة. نسي أن الله تعالى إذا بعثه يتبرأ منه أقاربه؛ كما قال تعالى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ أي: كل منهم مشتغل بنفسه، نسي ذلك كله؛ فكان هذا كفرا، وكذلك أيضا لا بد أنه يدعو غير الله، وأنه يشرك بربه، كما سيأتي في هذه القصة.
اعترافه بأنه مشرك. أي: قد أشرك بالله تعالى، فصاحبه يقول له: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ يذكره بمبدأ خلقه؛ فإن في هذا موعظة وذكرى، موعظة عظيمة أن الإنسان يتذكر مبدأ أمره. يقول: ألست كنت في بطن أمك نطفة؟ ألست كنت نطفة خرجت من صلب أبيك، واستقرت في رحم أمك؟ هذه النطفة نطفة مذرة.
ألا تتذكر: أن ربك هو الذي صور هذه النطفة في الرحم إلى أن خرجت إلى أن خرج إنسانا سويا، خلقك من نطفة أي: مبدأ أول أمرك، أو خلق أباك من تراب، فيذكره بأن آباه الذي هو آدم أبو البشر خلقه الله تعالى من تراب، ثم خلق بنيه كلهم من هذه النطفة؛ التي هي نطفة مذرة، يعني: جزء أو شيء يسير من هذا المني الذي يخلق منه الإنسان، كما قال تعالى: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا أي: أخرجك طفلا ورباك، وحنن عليك أبويك، ويسر لك الرزق.