تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
تفسير سورة الكهف
28861 مشاهدة
الإيواء إلى الكهف

أخبر تعالى بأنهم آووا إلى الكهف، يعني: جاءوا إليه في ليل، أو نحوه، وأنهم اتخذوه مستقرا، فيقول تعالى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ يعني: جاءوا إليه، وذلك أن الله تعالى هداهم؛ إِمَّا بسبب دعوةٍ من أحد الصالحين دعوهم، وإما أنهم على بَيِّنَةٍ من أمرهم، حيث إن أهل تلك البلدة عندهم إيمان، وعندهم كفر، وعندهم علم وعندهم جهل؛ فهؤلاء الفتية اهتدوا؛ هداهم الله تعالى فتركوا بلادهم، وتركوا أقوامهم، واعتزلوا ما كان عليه أهل بلادهم، وانفردوا عنهم، ثم كان مأواهم. يعني: مبيتهم الذي اختاروه ذلك الكهف الذي أَكَنَّهُمْ، واستقروا فيه هذه المدة، واختفوا عن غيرهم، فأخبر الله تعالى بأنهم آووا إلى الكهف، يعني: دخلوا فيه.
وأنهم ابتدأوا بهذا الدعاء: رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا هكذا دعوا دعوة طيبة: رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً سألوا رحمة الله تعالى أولا، وسألوا الهداية، وأن يهيئ الله لهم الأمر الرشد. وقد استجاب الله تعالى دعوتهم.