قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
شرح الورقات
35276 مشاهدة
دلالة الأمر على الوجوب

فتكون دالة على الاستحباب، فإن كثيرا من الأوامر في العبادات ذكروا أنها مستحبة، ومنها ما هو للوجوب، فقوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إلى قوله: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا هذا للاستحباب وللآكدية، لو أن إنسانا بَرَّ بوالديه، ولم يُذْكَرْ أنه قال: رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا كالجهلة ونحوهم لم يكن كافرا، ولم يكن عاصيا؛ لأنه أتى بما أُمِرَ به من الْبِرِّ، وهو يدل على أن هذا للاستحباب.
وقوله: فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ هذا أيضا على الاستحباب، يعني: كون كل أحد يعطي الفقراء، ويعطي المساكين من ماله، ويعطي أبناء السبيل، هذا أيضا للاستحباب، لا يَجِبُ عليه إلا الحق الواجب عليه في الزكاة وما أشبهها. وكذلك في الأحاديث التي فيها الأوامر والإرشادات، كقوله -صلى الله عليه وسلم- أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تَخُنْ مَنْ خانك يَدُلُّ على الاستحباب، وما أشبه ذلك.
قد تدل أيضا السياق على الإباحة، يعني: إباحة الأمر، مثل قوله تعالى: وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا أي: أُبِيح لكم الصيد، ومثل قوله تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ هذا للإباحة، لا يجب على كل أحد بعد الصلاة أن ينتشر في الأرض.