إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح الورقات
35261 مشاهدة
الحظر والإباحة

أحسن الله إليكم يا فضيلة الشيخ، وجزاكم الله خيرا.
قال صاحب رسالة الورقات رحمه الله تعالى:
الحظر والإباحة:
وأما الحظر والإباحة، فمن الناس من يقول: إن الأشياء على الحظر إلا ما أباحته الشريعة، فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على الإباحة، يتمسك بالأصل وهو الحظر.
ومن الناس من يقول بضده، وهو أن الأصل في الأشياء الإباحة، إلا ما حظره الشرع.
الاستصحاب:
ومعنى استصحاب الحال: أن يستصحب الأصل، أي: يستصحب الأصل عند عدم الدليل الشرعي.
ترتيب الأدلة:
وأما الأدلة فيقدم الجلي منها على الخفي، والموجب للعلم على الموجب للظن، والنص على القياس، والقياس الجلي على الخفي؛ فإن وجد في النص ما يغير الأصل وإلا فيستصحب الحال.
شروط المفتي: ومن شروط المفتي أن يكون عالمًا بالفقه أصلًا وفرعًا، خلافًا ومذهبًا، وأن يكون كامل الآلة في الاجتهاد عارفًا بما يحتاج إليه في استنباط الأحكام من النحو واللغة ومعرفة الرجال، وتفسير الآيات الواردة في الأحكام والأخبار الواردة فيها.
شروط المستفتي: ومن شرط المستفتي أن يكون من أهل التقليد، فيتقلد المفتي في الفتيا وليس للعالم أن يقلد.
والتقليد: قبول قول القائل بلا حجة؛ فعلى هذا قبول قول النبي -صلى الله عليه وسلم- يسمى تقليدًا.
ومنهم من قال: التقليد قبول قول القائل، وأنت لا تدري من أين قاله.
فإن قلنا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بالقياس؛ فيجوز أن يسمى قبول قوله تقليدًا.
الاجتهاد: وأما الاجتهاد فهو بذل الوسع في بلوغ الغرض.
فالمجتهد إن كان كامل الآلة في الاجتهاد؛ فإن اجتهد في الفروع فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فيها فأخطأ فله أجر واحد.
ومنهم من قال: كل مجتهد في الفروع مصيب، ولا يجوز أن يقال: كل مجتهد في الأصول الكلامية مصيب؛ لأن ذلك يؤدي إلى تصويب أهل الضلالة من النصارى والمجوس والكفار والمشركين.
ودليل من قال: ليس كل مجتهد في الفروع مصيبًا، قوله - صلى الله عليه وسلم - من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد .
ووجه الدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطَّأ المجتهد تارة وصوبه أخرى. انتهى.


هذه من مباحث الأصوليين: الحظر والإباحة.
الحظر: هو التحريم، والإباحة: هي الإحلال؛ أباح الشيء يعني: أحله. من الناس من يقول: إن الأشياء كلها محرمة إلا ما نص الشرع على أنه مباح وحلال، ويدخل في ذلك المعاملات، ويدخل في ذلك المأكولات والمشروبات وما أشبه ذلك، فيقولون: حرام علينا الأشربة إلا ما نص الشرع، وقال: اشربوا من الماء أو اشربوا من اللبن أو اشربوا من الأعصرة وما أشبهها، حرام علينا المأكل إلا ما قال، إذا قال: كلوا مثلا من الخبز، كلوا من الفاكهة، كلوا من كذا وكذا، إذا نص الشرع على هذه الأشياء نقتصر عليه والذي لم يذكره نجعله محرما، فإذا لم يوجد في الشريعة ما يدل على الإباحة تمسكوا بالأصل وجعلوه حجة على التحريم.
القول الثاني: ولعله هو الأرجح أن الأصل في الأشياء الإباحة، إلا ما جاء الشرع بتحريمه، أن الأصل الإباحة إلا ما حظره الشرع فنقول مثلا: إن الله تعالى أباح الطيبات وحرم الخبائث؛ فكل شيء من الخبائث نعتقده محرما؛ فمن الخبائث مثلا الحشرات فإنها مستقذرة؛ يستقذر أن الإنسان مثلا يأكل من الذباب ومن الفراش وما أشبه ذلك.
كذلك من المحرمات: الدواب التي هي سامة أو ضارة كالحيات ونحوها؛ ومن المستقذرات أيضا: السباع التي تأكل الجيف وتأكل النتن وما أشبه ذلك، فتكون محرمة.
ومن المحرمات ما نص الشرع على تحريمه كتحريم الحمر الأهلية، وتحريم ما له ناب من السباع، وما له مخلب من الطير، وما يأكل الجيف، وما أمر بقتله، وما نهي عن قتله؛ فنقتصر على ما نص الشرع على أنه محرم، أو دخل فيما هو محرم من هذه القواعد، وما عدا ذلك فإنه يبقى على الإباحة، وما كان مستخبثا فإنه يكون من المحرمات؛ لدخوله في قوله: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ .