لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
تفسير آيات الأحكام من سورة النور
54416 مشاهدة
صورة اللعان

...............................................................................


ثم قوله: ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وقوله: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ أي: لا يتيسر لأحدهم أن يأتي بالشهداء؛ لأنه في بيته يخشى إذا ذهب يجمع الشهداء أن هذا الزاني يهرب، والعادة أنه كذلك؛ ففي هذه الحال جعل له حد خاص.
وقوله: فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ والشهادة: أن يتلفظ بكلمة أشهد، ولا يقول: أقول أو أعلم، أو إن امرأتي هذه زانية أو قد زنت، بل يقول: أشهد بالله، يأتي بكلمة أشهد بالله، أشهد بالله على هذه المرأة التي هي زوجتي أنها قد زنت، أو أني قد رأيتها تزني؛ يكرر ذلك أربع مرات.
إذا كانت الخامسة يقول: لعنة الله علي إن كنت كاذبا فيما رميتها به، في هذه الحالات يلقنه الحاكم كل مرة فيقول: قل: أشهد بالله على هذه المرأة أنها قد زنت، أو على هذه الزوجة أنها زانية، ثم يقول له في المرة الخامسة: قل: إن لعنة الله علي إن كنت كاذبا، أو إن كنت من الكاذبين.
ذكرنا أنه قبل ذلك يندب أن يعظهما ويذكرهما ويحذرهما ويدعوهما إلى التوبة؛ كما في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة تذكير صحيح أن عذاب الآخرة على هذا الكذب والظلم، أو على هذا الجمع بينهما إذا كانت المرأة كذبت وفجرت وحلفت على فجور، وكانت مع ذلك قد زنت؛ فإنها تستحق عذابا شديدا؛ عذاب الآخرة أشد.. من عذاب الدنيا. وكذلك أيضا الرجل إذا كان كاذبا عليها؛ قد توعده الله تعالى بعذاب شديد؛ في قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ إلى آخر الآيات؛ فعذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا.

يذكر الفقهاء في كتبهم باب اللعان أو كتاب اللعان، ويذكرونه في كتاب الطلاق، ويصفونه بما ورد في هذه الآيات: إذا قذف الرجل امرأته بالزنا قذفا صريحا، ولم يستطع الإثبات بالبينة ولا بالقرائن التي ترجح قوله؛ فلا بد من الملاعنة؛ وهي أن يحضرا عند الحاكم، ثم إن على الحاكم أن يعظهما ويخوفهما، وعليه بعد ذلك أن يبدأ للرجل، وأن يلقنه كل مرة أن يقول: اشهد أو قل: أشهد بالله على هذه المرأة التي هي امرأتي أنها قد زنت، أو أني رأيتها تزني، ثم في المرة الخامسة يقول له: قل: علي لعنة الله إن كنت كاذبا فيما رميتها به.
فإذا تمت شهادات الرجل؛ فإن اعترفت المرأة وأقرت أقيم عليها الحد الذي هو الرجم؛ وذلك لأنها محصنة؛ لأنها زوجة رجل، ثم إذا أنكرت فلا بد عليها أن تشهد أيضا؛ قال الله تعالى : وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَاب أي: يذهب العذاب عنها: أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ يعني: يدفع العذاب الذي هو الرجم ونحوه شهادتها على نفسها، فيلقنها الحاكم أن تقول: أشهد بالله على زوجي هذا أنه من الكاذبين فيما رماني به؛ تكرر ذلك أربع شهادات، ثم يلقنها في المرة الخامسة فيقول: قولي: إن غضب الله علي إن كان من الصادقين.