الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
تفسير آيات الأحكام من سورة النور
54420 مشاهدة
الحكم على القاذف بالفسق

...............................................................................


وأما العقوبة الثالثة: قوله: وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ أي: يحكم عليهم بالفسق، والفسق هو الخروج عن الطاعة؛ بمعنى: أنه يحكم عليهم بأنهم اقترفوا ذنبا وعملوا سوءا، واتهموا من ليس بمتهم؛ فيكون هذا حكما عليهم بالفسوق. ومعلوم أن الفسوق يتفاوت حكمه، فقد يكون الفسوق خروجا من الإسلام مستحقا أهله النار؛ قال الله تعالى : وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وقد يكون الفسوق ذنبا؛ كقوله تعالى : وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وكقوله: وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فإنهُّ فُسُوقٌ بِكُمْ .
فالفسق في الأصل: هو الخروج عن الاستقامة، وكل ذنب يطلق على صاحبه أنه فاسق؛ أنه قد فسق؛ ومنه قوله تعالى : ذَلِكُمْ فِسْقٌ ؛ يعني: فعل شيء منالهفوات وشيء من المحرمات، أو تعاطي ما نهي عنه. لما ذكر الله تعالى المحرمات في سورة المائدة ختمها بقوله تعالى: وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ أخبر بأن هذا فسق.
وكذلك عد ما ذبح لغير الله فسقا؛ في قول الله تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ فجعل الذبح لغير الله من الفسق؛ فيكون الفسق شركا، ويكون ذنبا، فالغالب أنه في الأصل ذنب: وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ؛ أي: أنهم أذنبوا ذنبا ، ثم قال تعالى بعد ذلك: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إذا تابوا فإنهم يبرءون من سمة الفسق.
واتفقوا على أنه لا يسقط عنهم الحد بالتوبة؛ إذا قذفوا وأصروا على القذف؛ فإنهم بعد ذلك يحكم عليهم بالحد الذي هو الجلد. فلو قالوا: تبنا وندمنا؛ لا يسقط عنهم الحد.