لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
محاضرات في شرح نواقض الإسلام وكتاب الجنائز من صحيح البخاري
26515 مشاهدة
الناقض الثالث: من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الثالث من نواقض الإسلام: من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم.
الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكم الله.
الخامس: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به.
من لم يكفر المشركين فمعناه أنه كذب الله تعالى، ومعنى ذلك: أن دين المشركين الذي كانوا عليه دين صحيح، فلا يكون الإسلام دينا واحدا، بل يكون الإسلام دينا، والكفر دين آخر، مع أن الإسلام نسخ الأديان السماوية السابقة ، ولو كانت أديانا سماوية كدين اليهود والنصارى، وأبطل دين المشركين الذين كانوا يدينون بالشرك، ويعبدون الآلهة دون الله، أبطل الله تعالى دينهم، وحصر الدين الصحيح في دين الإسلام، فقال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ .
فبين الله أن الدين الصحيح هو دين الإسلام، وما سواه من الأديان فإنها باطلة، فالمشركون الذين يعبدون غير الله تعالى ويشركون به لا شك أنهم ليسوا على دين، فإن الله تعالى كفرهم، وجعلهم ظالمين في قوله تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ والظلم: وضع الشيء في غير موضعه اللائق به، فدل على أن أعمالهم ليست في محل معتبر، فالذي يقرهم لا شك أنه يعتبر مخالفا لشرع الله تعالى.
فمن اعتقد أن اليهود على هدى، وأنه لا يجوز قتالهم، وأنهم على دين سماوي، أو كذلك النصارى اعتقد أنهم على خير، وأن دينهم دين منزل من الله، دان به المسيح وكان عليه، ولم يعترف بأن الله تعالى نسخ الأديان كلها بدين نبينا صلى الله عليه وسلم فهو بلا شك قد اعترض على الله تعالى.
النبي صلى الله عليه وسلم جاء ناسخا للأديان السابقة، ولما رأى أن عمر رضي الله عنه نسخ كلاما من التوراة كأنه أعجبه، عند ذلك غضب عليه، وقال: أمتهوكون يا ابن الخطاب ؟! لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي فنبينا صلى الله عليه وسلم جاء ناسخا لكل الأديان السابقة، ومقررا هذه الشريعة، وجاءت رسالته عامة للقريب والبعيد، وللعربي والعجمي، فثبت عنه أنه قال: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة فبعثته إلى الناس كلهم، ويقول صلى الله عليه وسلم: بعثت إلى الأحمر والأسود يعني: إلى جميع طبقات الناس، وأخبر بقوله: لا يسمع بي أحد يهودي ولا نصراني ولا يتبعني إلا دخل النار .
فعلى هذا نقول: إن الأديان الأخرى كلها باطلة، وإن من ظن أن دين الإسلام دين كسائر الأديان، وأن الكفار لا يجوز قتالهم، بل يجوز إقرارهم على دينهم، واعتبر أن دينهم دين صحيح، فإنه والحال هذه يكون كافرا.
الله تعالى أمر بقتال الكفار في قوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ كيف يقتلون وهم على دين صحيح؟! وأمر بقتال أهل الكتاب حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فكيف يبذلون الجزية، ويلتزمون الصغار، أو يقاتلون إذا لم يفعلوا، وهم على دين صحيح؟! وقاتل جميع المشركين الوثنيين ونحوهم، وأمر بتطهير البلاد عنهم، وقال: لا يبقى في جزيرة العرب دينان وذلك كله بلا شك بيان أن دين الإسلام هو: الدين الباقي.
فالذي يقول: إن اليهود على حق، أو أن البوذيين على صواب، أو القاديانيين على صواب، أو الهندوس أنهم مصيبون، أو لا يجوز قتالهم، أو لا يجوز تكفيرهم، لا شك أنهم مصادمون لهذه النصوص الصريحة، فإن الله تعالى سماهم: كفارا، وسماهم: مشركين، حيث أنهم كفروا بما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتوعدهم بالعذاب بقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ من أهل الكتاب ومن المشركين شر البرية، وكذلك قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا فكفرهم وأخبر بأنه لا يقبل توبتهم، وكذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ فالذين يدخلون في الإيمان، ثم بعد ذلك يرتدون لن تقبل توبتهم، يعني: لا تقبل في الظاهر.
فكل ذلك يدل على أن الكفار لا يجوز إقرارهم على كفرهم ، إلا أهل الكتاب، بشروط: أن يلتزموا بذل الجزية، وأن يلتزموا بأحكام الإسلام في النفس، والمال، والعرض، وأن تقام الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه، وكذلك أن يلتزموا بالصغار، يعني: يلتزموا بالذل والهوان، وذلك مما يشعرون به أن الإسلام هو الدين الصحيح، ويعترفوا أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، فإذا التزموا بذلك تركوا إلى أن ينقضوا العهد، فإذا نقضوا العهد، وامتنعوا من بذل الجزية، والتزام الصغار، والالتزام بأحكام الإسلام، عادوا إلى كونهم حربيين، وقوتلوا إلى أن يسلموا، أو يرجعوا إلى الالتزام.
كذلك من شك في كفرهم، لم يجزم، ولكن قال: لا أدري هل هم كفار، أم ليسوا بكفار؟ وهو يقرأ الأدلة التي تدل على كفر المشركين، يقرأ مثل قوله تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ومع ذلك يدعو غير الله، يدعو ندا من دون الله تعالى، فهو في هذه الحال يجب أن يجزم بكفره، فمن شك في كفره مع أن الله سماهم ظالمين، والظلم هو الشرك، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ فإنه يكون بذلك مرتدا؛ حيث شك في أمر صريح، فإن الأدلة واضحة لا يجوز التوقف والشك فيها.
من شك في كفرهم أو تردد، أو قال: يمكن أن يكونوا على حق، ولو كانوا يدعون عيسى أو يدعون عزيرا أو يدعون الملائكة، أو يدعون الحسين أو عليا أو نحوهم من المشركين الذين يعبدون ويدعون الأولياء، قال: أنا لا أدري، أو أتوقف في تكفيرهم، لا شك أنه صادم النصوص، وخالف الأدلة الواضحة التي هي صريحة في أن من دعا غير الله تعالى فهو مشرك، يسمع قول الله تعالى: وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ومع ذلك يرى هؤلاء يدعون مع الله غيره، يدعون أندادا من دون الله، ولو كانوا يدعون أولياء أو صالحين، ومع ذلك يتوقف في كفرهم، لا شك أيضا أنه يعتبر كافرا.
وكذلك إذا صحح مذهبهم، صحح أديانهم، ومنع أن يقاتلوا أو يكفروا، أو قال: إنهم على حق، إنهم على صواب، إن أديانهم صحيحة، سواء كانت أديانا أصلها سماوي كاليهودية، والنصرانية، أو أديانا مبتدعة كالمجوسية، والهندوسية، والبوذية، والشيوعية، والوثنية، ونحوهم، فمن صحح مذهبهم فقد كفر؛ لأنه اعترض على الله تعالى؛ ولأنه كذب أخبار القرآن وأخبار السنة، ولم يجزم بما أخبر الله به.
الواجب تصديق الأخبار السماوية التي جاءت في القرآن، واعتقاد أن ما أخبر الله تعالى به فإنه حق وصدق، الله تعالى أخبر بأن هؤلاء كفار، سماهم الله بهذا الاسم، في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ كفرهم الله، والكفر أصله: جحد الرسالة، أو عدم الديانة بها، فمن جحد رسالة النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يدن بها، أو اختار غير دين الإسلام سمي كافرا، وكذلك من دعا غير الله تعالى، كما قال تعالى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ فسماهم كافرين، الذين يدعون مع الله غيره، فيعتبر الذي صحح مذهبهم قد كذب هذه الآيات.
والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه مأمور بقتالهم بقوله: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا: أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، وحسابهم على الله عصموا مني دماءهم وأموالهم فأخبر بأنه مأمور بقتالهم حتى يُوحد الله، وفي حديث آخر: بعثت بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له ومعناه أنه مأمور بأن يدعو الناس إلى أن يعبدوا الله وحده.
فالذين يعتقدون أن هؤلاء الكفار أو المشركين ونحوهم، أنهم على صواب، أو أن مذاهبهم جائز إقرارها، يعتبرون قد كذبوا هذه النصوص، فمن كذب نصوص الله وأَخْبار الله تعالى فقد كذب الله، ومن كذب الله وكذب رسوله فقد كفر، وحل دمه وماله، ويعتبر مرتدا، ويعتبر قد بدل دينه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه يعتبرون قد بدلوا دينهم، أي: الدين الصحيح السماوي.
فننتبه لمثل هذا، أن كثيرا من الناس يعترفون بأن هؤلاء إخوان لنا في الإنسانية، أو أنهم من جنس بني آدم الذين لهم حق أن نحترمهم، أو أنهم على دين يدينون به، أو أنهم من جنس نوع الإنسان الذين لهم احترام، أو يقولون: إن لهم قوة ولهم تمكن، فلا يجوز أن نكفرهم، بل نقرهم على ما هم عليه، وكذلك الذين يدعون إلى التقارب بين الأديان ، وعقد الأخوة بين المسلمين والكفار، بيننا وبين اليهود، بيننا وبين النصارى، بيننا وبين المشركين والملحدين ونحوهم، عقد الأخوة بين الجميع، لم ينتبهوا إلى أن هؤلاء من الكفار، وأنهم من أهل النار، فيعتبرون قد اعترضوا على حكم الله تعالى وشرعه، فيدخلون في الوعيد، والعياذ بالله.