عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
محاضرات في شرح نواقض الإسلام وكتاب الجنائز من صحيح البخاري
26304 مشاهدة
أدلة تحريم موالاة الكفار والمشركين

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، قال مجدد الدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: اعلم أن نواقض الإسلام عشرة نواقض:
الأول: الشرك في عبادة الله قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وقال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر.
الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم فقد كفر إجماعا.
الثالث: من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم فقد كفر.
الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كمن يفضل حكم الطواغيت على حكمه فقد كفر.
الخامس: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فقد كفر.
السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه فقد كفر دليل ذلك قوله تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ .
السابع: السحر ومنه الصرف والعطف من فعله أو رضي به فقد كفر دليل ذلك قوله تعالى: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ .
الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .
التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فقد كفر.
العاشر: الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلمه ولا يعمل به دليل ذلك قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ولا فرق في هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره على ذلك، وهذه النواقض من أعظم ما يكون خطرا وأكثر ما يكون وقوعا، وصلى الله على محمد .


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذه النواقض قد بينا أنها مكفرات، بمعنى: أنها تخرج من الإسلام، وإن كان بعضها يتفاوت عن بعض في كونه أكثر إثما وأعظم ذنبا وأكبر جرما من بعض، لا شك أن الذنوب تتفاوت في كبرها فإن الشرك والكفر كلاهما مكفران، ومع ذلك قد يكون الكفر أحيانا أعظم من الشرك، وقد يكون بعض أنواع الشرك أعظم مما يسمى كفرا.
فكذلك هذه النواقض، بل الواحد منها تحته أنواع بعضها أشد إثما من بعض، فمن ذلك هذا الناقض الثامن الذي هو مظاهرة المشركين ومعاونتهم وموالاتهم ومحبتهم ومساعدتهم على المؤمنين، أو إقرارهم على كفرهم وخدمتهم وموالاتهم ومودتهم فإن هذا ذنب كبير، يخرج من الملة في بعض أنواعه لا في جميعها.
وقد كثرت الأدلة على هذا النوع الذي هو الموالاة أي: موالاة المشركين ومودتهم ومحبتهم، وقد ألفت في ذلك الرسائل فهناك رسالة للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب طبعت مع مجموعة التوحيد وطبعت مفردة اسمها: حكم موالاة أهل الإشراك. أو اسمها: موالاة أهل الإشراك، وهناك أيضا رسالة طبعت بعنوان: أوثق عرى الإيمان. يعني لما جاء الحديث بلفظ: أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله وكذلك أيضا: بيان النجاة والفكاك من موالاة أهل الإشراك. بيان النجاة والفكاك هذه للشيخ حمد بن عتيق .
وكلها تتعلق بهذا النوع الذي هو موالاة الكفار ومودتهم ومحبتهم ومظاهرتهم ومساعدتهم وخدمتهم وتقريبهم ورفع مقامهم ورفع مكانتهم، وقد ذكر الشيخ سليمان رحمه الله في رسالته التي بعنوان حكم موالاة أهل الأشراك، واحد وعشرين دليلا من القرآن عشرون دليلا، ومن السنة دليل واحد استنبط منها تحريم موالاة أهل الإشراك.
أولها: قول الله تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ فإن فيها دليل على أن اليهود والنصارى ومثلهم بقية الكفرة يدعون إلى معتقداتهم وإلى دياناتهم، ويتمنون أن يكون الناس كلهم على ديانتهم التي يعتقدون أنها أفضل الأديان وأنها الدين السماوي الذي لم ينسخ، وأن من لم يكن على ديانتهم فإنه باطل أو ديانته باطلة.
وهكذا كل واحدة من الديانتين تضلل الأخرى قال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ أي: كل واحدة تقول إن الأخرى ديانتها باطلة، وإنما نحن الذين على الديانة الصحيحة.
ونحن نقول: كل الديانات غير الإسلام ديانتهم باطلة ، فإذا كان إن كانوا يدعون إلى معتقداتهم، ويدعون إلى دياناتهم، ويدعون إلى أن يكون الناس على ما هم عليه فإنهم ولابد إذا رأوا ميلا إليهم إذا رأوا من يكبرهم أو يخدمهم أو يحبهم أو يودهم دعوه إلى معتقدهم، ثم تكون نهايته أن يخرج من الإسلام ويدخل في تلك الديانات الباطلة.
من الأدلة قول الله تعالى: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أي: لا يجوز، هذا خبر ومعناه الأمر أي: لا تتخذوا أيها المؤمنون أحدا من الكافرين أولياء تتولونهم وتتركون ولاية المؤمنين، الولاية هاهنا بمعنى: التولي أي لا تحبوهم ولا تقربوهم ولا تطيعوهم ولا تخدموهم ولا ترفعون مكانتهم فتكونون بذلك مثلهم وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ فهكذا ذكر الله أنه من يفعل ذلك أي: من يتخذ الكفار أولياء ويعادي المؤمنين ويعرض عن الإيمان وأهله، ويخدم الكفار ويقربهم فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً .
وهذا مثل قوله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ أي: إذا وقع المسلم في أيدي الكفار وأخذوا يعذبونه فإن له في هذه الحال أن يظهر لهم شيئا من المودة ثم بعد ذلك يبتعد عنهم إذا تيسر له الانفصال، كما ذكر ابن كثير بعض الأدلة في تفاسير هذه الآيات.
من الآيات أيضا قول الله تعالى: في سورة النساء يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا يعني: حجة ظاهرة في أنكم واليتم الكفار من دون المؤمنين، أبغضتم المؤمنين وأحببتم الكفار وقربتم الكفار ورفعتموهم وخفضتم قدر أهل الإيمان ونزلتم من قدرهم، فإنكم في هذه الحالة قد نقضتم ديانتكم واعتقادكم، لا شك أن هذا تهويل كبير وتخويف عظيم.
ومن ذلك من الآيات أيضا قول الله تعالى الآيات التي ذكرها المؤلف: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ الآية نصت على اليهود والنصارى، ويدخل في ذلك جميع الكفار، جميع الملل التي ليست ملة الإسلام وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ يقول شيخ الإسلام في بعض كتبه: هذه الآية إن لم تدل على كفر المتولي فإنها تدل على تحريم التولي ظاهرها الحكم عليه بالكفر وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ .
ولو كان التولي تختلف حالاته فيمن يتولى، كما روي أن المغيرة بن شعبة قدم المدينة ومعه كاتب له نصراني يعني كان مستخدما ليس بمملوك ولكنه مستخدم فظنه عمر مسلما جاء عمر كتاب بلغة غير لغة العرب فقال للمغيرة ادع كاتبك يقرأ هذا الكتاب. فقال: إنه لا يدخل المسجد. فقال: أجنب هو؟ قال: لا إنما هو نصراني. فقال عمر مالك قاتلك الله، أما سمعت الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ فقال المغيرة لي كتابته وله دينه. فقال عمر لا أقربهم بعد إذ أبعدهم الله، ولا أرفعهم بعد إذ وضعهم الله، ولا أكرمهم بعد إذ أهانهم الله. وألزم المغيرة أن يبعده وأن يقطع موالاته وتقريبه، ولو كان ينفع ويترجم ويقرأ.
ووقع أيضا أن أحد عمال عمر رضي الله عنه اتخذ كاتبا نصرانيا عالما بالكتابة وبالترجمة وبالحساب، جيدا في ذلك، فبلغ عمر رضي الله عنه فكتب إليه ينهاه عن ذلك ويؤكد عليه ويشدد، فكتب ذلك العامل: إننا لا نستغني عنه، وإن المكتب مضطر إلى بقائه ولا نجد من يقوم مقامه. فكتب عمر رضي الله عنه كتابا آخر: مات النصراني والسلام. أي قدر أنه مات .. كتاب أخر قدر أنه مات فهل يتعطل العمل، فطرده وهيأ الله له كاتبا مسلما، مجرد كتابة.
ووقع أن بعض خلفاء بني العباس دخل عليه نصراني فرفع مكانه وأكرمه وهو على ديانته، فجاء إليه بعض الفقهاء أهل الغيرة، فقال: أيها الخليفة ائذن لي أن أنشدك بيتا، فقال: قد أذنت لك، فقال:
إن الذي شرفت من أجله
يزعـم هـذا أنه كاذب
وأشار بيديه إلى ذلك النصراني، يقول أنت ما شرفت ولا نلت هذا الشرف إلا بقرابتك من النبي صلى الله عليه وسلم فصارت لك الرفعة والمكانة؛ بسبب كونك من قرابته ومن بني عمه، وهذا الذي هو إلى جانبك يزعم أنه كاذب.
إن الذي شرفت من أجله
يزعم هذا أنه كـاذب
فعند ذلك تفطن ذلك الخليفة وأمر بإخراج ذلك النصراني، وهكذا تكون غيرة الفقهاء على دين الله تعالى؛ لأن هذه الآية صريحة في أنه لا يجوز التولي وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ .
ومن الأدلة أيضا قول الله تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ أي: هؤلاء هم أولياؤكم، فأما غيرهم فلا تتولوهم ولا تقربوهم ولا تحبوهم.
ومن الأدلة قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا هذه الآية بينت السبب الذي منعنا من أن نتخذهم أولياء؛ وذلك لأنهم يتخذون ديننا هزوا ولعبا، يسخرون منا ويسخرون من عباداتنا، إذا سمعوا الأذان أذاننا للصلاة سخروا من ذلك، وهزءوا به، وجميع أعمال الديانة اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا سواء من أهل الكتاب أو من بقية الكفار، فلا تتخذوهم أولياء؛ فإن اتخاذهم مع ذلك إقرارهم على سخريتهم، إقرارهم على استهزاءهم بكم، إقرارهم على استضعافكم والتصغير من شأنكم.
كذلك أيضا قد لعن الله اليهود بسبب أعمال من جملتها هذا التولي، في قوله تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ الشاهد قوله: تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ هذه آية صريحة أنهم استحقوا اللعن بهذا السبب، تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: يوالون الذين كفروا، لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ ثم قال: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ .
هكذا أخبر الله تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: يوالونهم ويحبونهم ويقربونهم ويرفعون من شأنهم ويقدمونهم على المؤمنين ويمدحونهم ويثنون عليهم لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ يعني: قدموا عملا سيئا لأنفسهم أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ يعني: يستحقون العذاب بذلك حكم الله عليهم بأنهم فاسقون؛ بهذا السبب، ولا شك أن هذا تنفير منهم وبيان لمعتقدهم السيئ، وأن هذا الفعل لا شك أنه من أكبر الذنوب وأشدها عداء وبغضا للإسلام، هذه آيات مدنية وفيها التصريح بتحريم موالاة المشركين هذه آيات مدنية يعني في سورة البقرة وفي سورة آل عمران والنساء والمائدة كل هذه السور مدنية ففيها هذه الآيات الصريحة التي في النهي عن موالاة المشركين.
ومن الآيات المكية قول الله تعالى: وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ فالركون إليهم معناه الميل إليهم ومحبتهم وتقريبهم وذلك لأن من ركن إليهم فلابد أن يحبهم وأن يقدرهم وأن يكرمهم ويرفع من مكانتهم؛ وذلك مخالف لما أمر الله تعالى به، فعرف بذلك أن هذه الموالاة لا شك أنها تقرب من الكفر؛ لأن من أحبهم باطنا فلابد أنه يفضلهم على غيرهم، ويمدحهم ويثني عليهم، ويرفع من مكانتهم ومن شأنهم، ويقلل من شأن هذه الأفعال معهم.
وقد شدد العلماء رحمهم الله تعالى في ذلك غيرة منهم على هذه الأفعال، غيرة منهم على دين الله تعالى، فذكر عن بعض السلف أنه قال: من لات لهم دواة أو برى لهم قلما أو ناولهم قرطاسا دخل في هذا، هكذا ذكر هذا الأثر في حكم موالاة أهل الإشراك، في تفسير هذه الآيات.
وكذلك أيضا ذكر كثيرا من الآثار ابن عتيق في بيان النجاة والفكاك، وأورد آثارا عن السلف رحمهم الله تدل على هجرانهم لأماكن أو لمتعبدات النصارى وما كانوا عليه وتحريضهم على البعد عنهم وحثهم على مقتهم وتحقيرهم والإزراء بهم؛ حتى يشعروا بالصغار وبالذل والهوان.
فهذا دليل على أن السلف رحمهم الله حققوا معنى معاداة من كفر بالله، ولذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله له مقالة في ثلاثة الأصول في الرسالة الثانية يقول: الثالثة: أن من وحد الله وأطاع الرسول لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب؛ والدليل قوله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ إلى آخر السورة يقول: إن الإنسان إذا وحد الله وعبده مخلصا له الدين، وأطاع النبي صلى الله عليه وسلم، وحقق اتباعه وحقق طاعته فإنه يبقى عليه أن يعادي الكفار وأن يقاطعهم، ولو كانوا أقارب ولو كانوا أولياءه وأسرته وإخوانه ونحو ذلك.
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ .. أبوك إذا كفر وأخوك وقريبك إذا كانوا كفارا فلا تتخذوهم أولياء بل قاطعوهم إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ .
وكذلك الآية بعدها في سورة التوبة قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا أي: تخشون أنها لا تروج وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا أي: انتظروا ما يحل بكم.
وكذلك الآية التي استدل بها في آخر سورة المجادلة: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي: لا تجد المؤمنين حقا الذين صدقوا في إيمانهم في إيمانهم بالله وفي إيمانهم باليوم الآخر لا تجدهم يوادون أهل الكفر ولا يحبونهم ولا يقربونهم وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ بل لا تجدهم إلا قد مقتوهم وابغضوهم وحقروا من شأنهم.
ثم قيل إن هذه الآية نزلت في أبي عبيدة بن الجراح ؛ وذلك لأنه لما كان في غزوة بدر جاءه أبوه وإذا هو مع المسلمين فأخذ يقاتله يريد أن يقتله أن يقتل ولده لماذا تكون مع محمدا وأصحابه وتتركنا وتترك ما نحن عليه؟ فأخذ يطارده ولكن لم يجد بدا أن قتل أباه أو ساعد في قتله؛ فنزلت فيه هذه الآية أنه لم يشفق على والده لما كان كافرا يعني: أن أباه حاول أن يقتل ابنه المسلم فدافع عنه حتى قتل أباه، لا شك أن هذا دليل على أن أولياء الله لا يخافون في الله لومة لائم ، وأنهم يعادون الكفار ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو قبائلهم أو عشائرهم يعادونهم في ذات الله تعالى، فكل من كفر بالله وكل من خرج عن دين الإسلام فإننا نقاطعه، ونبتعد عنه ولو كان من أقاربنا ولو كان أقرب قريب.
وفي ذلك ما يدل على غيرة المسلمين على معتقداتهم ، وعلى بعدهم عن هذه الموالاة والمودة والمحبة، ولا شك أن المحبة لهم تحمل على الدفاع عنهم؛ من أحبهم فإنه سوف يدافع عنهم ويدافع عن دياناتهم، ويقول إنهم على حق، وإن دياناتهم صحيحة، أو يرى أن من طعن فيهم فقد طعن فيمن لا يستحق الطعن، وكذلك أيضا خدمتهم، وكذلك الرفع من شأنهم، وتفضيلهم على أفراد المؤمنين، وما أشبه ذلك.